منذ مدة وأنا على هذا الحال، ألتقي بمفردة وتضيع أخرى، فلا يكتمل معي أي سطر ولا تشفق على حالي أصغر جملة!
تتسارع الأفكار في رأسي، ولكن من دون أن تسمح لي بالتقاط أي منها، وإذا حاولت أن استنجد بها تُسرع أكثر وكأنها لا تسمعني، وكأنها ليست ملكي، بل أتت سائحة من رأس أخرى بعيدة لا تربطني بها أي صلة قرابة!
لم أكن أعرف ما العلة التي أشكو منها، وليست لدي القوة لتشخيص حالتي خوفاً من أن أسمع جملاً تشبه تلك التي يقولها الأطباء بهدوء: المريض تحت المراقبة، ادعوا له، ربما لن يستطيع تحريك جسده بعد الآن، في أفضل الأحوال سيعاني من شلل في أحد أطرافه، ببساطة المريض أُصيب بالعجز!
بقيت على هذا الحال حتى بدأت أشعر بأنني بلا هوية، لا اسم أحمله، ولا صفة تميزني، وكأنني أسكن داخل لوحة بها العديد من الرؤوس المتشابهة، تتحرك في الاتجاه نفسه؛ حيث لا يمكن التفريق بينها أو معرفتها.
حينما خانتني الكلمات شعرت بأنني لأول مرة أرى العالم بلا ألوان حادة، مائعاً متردداً، لم يعد يشبهني، وكأنني فقدت كل أصدقائي الرائعين، ونسيت تاريخ عائلتي، فلم يتبق لي أحد.
كيف لها أن تتملص مني بهذه الطريقة؟ كيف للكلمات التي كنت أراهن عليها أن تُخلف موعدها ووعدها معي؟ أبعد كل الطقوس التي عشناها معاً!، وبعد كل الذكريات التي تجمعنا! ترحل بلا وداع ولا تفسير واحد لهذا التخلي، ومن دون حتى أن تعبأ بكل توسلاتي.
استرجعت كيف وصفت كوري تايلر كتابة مذكراتها بأنها أنقذتها أكثر من مرة:
"لست أدري أين كان من الممكن أن أكون لو لم يكن بإمكاني القيام بهذا العمل! لقد أنقذ حياتي مرات عديدة على مر السنين، وما زال يفعل ذلك الآن". "الكتابة، حتى وإن كنت لا تقوم بها في أغلب الأحيان إلا في ذهنك، تشكل العالم، وتجعله ممكن الاحتمال".
علمت بعد هذا أن الكتابة هي ملاذي الأوحد، وبمنزلة الدواء الفعال لحياتي، وهي السر الخفي لقدرتي على التقاط السعادة، وهي الطريقة التي أصف بها نفسي.
فكرت بكل أصحاب الأحلام الكبيرة، بمن يحملون شغفهم على ظهورهم أينما ذهبوا، نراه نحن من بعيد خفيفاً مهذباً لا يعصي حامله، وهو في الواقع يتعثر بغير قصد منه، ويتعطل لوقت عن العمل لأسباب خارجة عن إرادته، فنُشكك به ويشك هو الآخر باستحقاقنا له.
الحظ لا يلبي دعوة غريب، يتعرف أولاً إلى المدعو، ويراقبه، ويختبر إصراره، فإن هو يستحق جاء ليحتفل معه بنجاحه، ويصفق له الحظ، لا يأتي أبداً ليدفع خطواتك، ولا ليأخذ عنك مهماتك.