الفتّة قصة ضاربة بجذورها في عمق التاريخ

طبق الفتة
الفتة - من مطبخ سيدتي

لا تحلو صباحات العيد إلا بطبق الفتّة
بتحابيش من خل وثوم وكزبرة وشطّة
وشقيقتها تلك بدقة الثوم المسبك والصلصّة
نوعين من الفتة الشهية محكمة الخلطّة
فتات خبر مقلية بسمن مغموسة في مرق
تنساب قطراته ببطء تمتصه لآخر قطرة
تحمل فوق أكتافها حبيبات أرز بلورية وقطع لحم هُبر مقلية بحنكة
محلاها من خلطة لو جاورها طبق السلطّة
وصفة قديمة تتوارها الأجيال وفق حكايات الجدّة...
تكاد لا تجد منزلًأ ولا بيتًا بعالمنا العربي يبدأ أول أيام عيد الأضحى المبارك إلا وتجد طبق الفتة على رأس مائدة إفطاره عقب ذبح الأضحية، يفرض وصايته وتعلو كلمته على باقي أطباق العيد الشهيرة، حيث تتفنن ربات البيوت في إعداد هذا الطقس الأيقوني اللذيذ متعدد المكونات بمختلف الإضافات من توابل وبهارات وتحابيش ونكهات، فلطالما ارتبطت الفتة لدى مختلف الشعوب العربية والإسلامية بالمواسم فأصبحت عادة طقسية غذائية احتفالية.

• أكلة مصرية مقدسة بامتياز


في الوقت الذي يعتقد فيه الكثيرون أن الفتة أكلة عربية نشات بشبه الجزيرة العربية وهو ما كرسته كثير من الأفلام السينمائية، إلا أن الواقع أن طبق الفتة ضارب بجذوره بعمق التاريخ، حيث يعود لآلاف السنين.
يقول الباحث بالتراث نبيل نبيل عبد المجيد لسيدتي: الفتة اختراع مصري بامتياز وهناك كثير من الشواهد التي تدل على ذلك وفق النصوص المصرية القديمة والرسوم على جدران المعابد الفرعونية ، فقد صنع الفراعنة الخبز من القمح منذ 7 آلاف سنة قبل الميلاد، وكان للخبز قدسية كبيرة.

• 100 نوع من الخبز ونوع فتة واحد

عرف المصري القديم 100 نوع من الخبز، وكان الخبز من أهم القرابين التي تقدم بالمعابد بذلك الوقت، وكانت صناعة الخبز تتخذ منحى طبقي، فقد كان هناك ثلاث أنواع للخبز الأول فاخر ويصنع من دقيق القمح للأغنياء، والثاني أقل جودة ويصنع من دقيق الشعير للطبقة المتوسطة، أما الفقراء فكان لهم خبز أسمر من دقيق الحبوب البرية... ونظرًا لقدسية الخبز فقد كان من الممنوع التخلص من بواقي الخبز إو إلقائها بالقمامة فاخترع المصري القديم تحميص الخبز لكي لا يتعفن، وصنع من بواقى الخبز وجبة الفتة، فكان يضع فتات الخبز المقطع على مرق اللحوم أو اللبن، ومن هنا جاء تسميتها بـ"لفتة"، لكونها كانت تصنع من كسر وفتات الخبز المحمص، ولاستكمال القيمة الغذائية وضع المصريون البرغل الخشن وفوقه قطع اللحم، فحسب نقوش تم اكتشافها بمعبد كوم أمبو تم وصف طريقة عمل الفتة، حيث تم ذبح كبش وحُشي بالفريك (قمح أخضر غير كامل النضج) والبرغل (حبوب قمح كاملة النضج تنقع وتسلق لتلين) والبصل والباذنجان، ثم تم وضعه فوق فتات الخبز مع إضافة المرق والخل والمزيد من البصل، وكانت هذه وجبة الاعياد لدى الملوك والكهنة وعامة الشعب المصري، ومع مرور الزمن تم استبدال البرغل بالأرز لتظهر الفتة المصري بشكلها المعتاد.

• أحب الطعام للرسول صلى الله عليه وسلم

الفتة - من مطبخ سيدتي


يؤكد نبيل أنه مع تعاقب السنوات واختلاط المصريين بغيرهم من الشرق والغرب، سواء من خلال الرحلات التجارية وغيرها من تغيرات سياسية نتيجة الاحتلال وخلافه انتشرت الفتة كثيرًا فترتبط بالماضي بحكاية سيدنا إسماعيل عليه السلام وقصة الفداء العظيم، بشبه الجزيرة العربية، ولتتحول الفتة لوجبة عيد الأضحى المميزة فمن المعروف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب الثريد وهي الفتة (حسب الدكتور محمد وهدان، الأستاذ بجامعة الأزهر، والذي أكد إن أحبّ الطعام إلى رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - الثّريد - أى الفتة حاليًا- "والأطبيبان" وهما التمر واللبن بما روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما)
لتتعرفي على المزيد يمكنك متابعة تاريخ الفتة وسر ارتباطها بالحج

• الفتة ازدهرت كثيرًا بالعصر الإسلامي

يستكمل نبيل حديثه عن الفتة وتاريخها قائلًا لسيدتي: عقب دخول الإسلام مصر صار للفتة شأن آخر، حيث زاد اهتمام الأمراء والخلفاء بها لحد كبير حتى أنها بالدولة الفاطمية كان الخليفة يأمر بذبح الذبائح بعيد الأضحى وتوزيعها على المسلمين مطهية، فقد كانت الوجبة الأولى لدى الدولة آنذاك، وكانت تُقام الولائم الضخمة و ويؤمر الطهاة بعمل أطباق الفتة باللحم وتوزيعها على عامة الشعب احتفالًا بتلك المناسبة.
ظلت الفتة بالخل والثوم في مصر هي الطريقة المعتمدة لدي المصريين حتى أضاف لها الفاطميون الطماطم المطهية (الصلصة) لتظهر فتة بالصلصة لتعطي مزيدًا من النكهة الطيبة لهذه الأكلة المحببة.

• يختلف اسم الفتة من مكان لآخر

يقول نبيل: عقب انتشار الفتة بكل مكان بالعالم العربي اختلف اسمها من مكان لآخر، على أنها تعرف بنفس اسمها الفتّة في كل من مصر وفلسطين وسوريا، وفي مناطق أخرى تسمى التسقية، وفي تونس تسمى اللبلابي، أما في الخليج فتسمى الفتات وفي ليبيا تسمى المثرود.
ولقد أسبغت كل دولة ثقافتها وبهاراتها وتحابيشها على الفتة، على أن بعض الدول تستخدم الطريقة المصرية الأصلية بصناعة الفتة بالخل والثوم، في حين تعتمد دول أخرى طريقة الفتة بالصلصة، وفي سوريا يتم إعدادها بإضافة قطع الدجاج أو اللحم ثم يوضع لبن الزبادي مع الطحينة والثوم وتزين بالحمص والزبيب والمكسرات.

• أنواع الفتة بالعالم العربي

- الفتة المصرية:

تعتمد على الخبز البلدى المحمص، والصلصة عبارة عن ثوم مقلي مضاف إليه الخل والبهارات لتضاف الصلصة بالتبادل مع مرق اللحم على الخبز المقطع ثم يضاف الأرز وقطع اللحم المقلي.

- فتة الحمص:

يسلق الحمص ويتم تحميص قطع من الخبز شامي أو لبناني في الفرن وإضافة زبادى وطحينة وفصوص من الثوم المهروس حسب الكميات المفضلة مع إضافة البهارات من الفلفل والكمون حسب الرغبة وخلطهم جميعًا، ثم إضافة شرائح الدجاج

- فتة الباذنجان:

تتكون من مكونات بسيطة وهى باذنجان رومي، ورغيفين خبز شامي، وعصير ليمون ولبن رائب وطحينة وحمص شام مطحون وزيت زيتون، والثوم مع إضافة بعض البهارات من الملح والكمون والفلفل الأحمر، مع البقدونس، وتعتبر من أبسط أنواع الفتة فى العام العربى.

- الفتة السورية:

تعتمد على الخبز الشامي المقطع لمكعبات وأرز بسمتى وقطع من صدور الدجاج، مع إضافة صوص الزبادى والتوابل المختلفة التى تعطيها نكهة مميزة.

- فتة الكسكسى:

هي من الأطباق الشهيرة فى بلاد المغرب، وتعتمد فى تحضيرها على مكونات بسيطة مثل الكسكسى والكوسا وقطع خبز ولحم موزة الغنم مع إضافة بعض البهارات المميزة وصلصة الهاريسة الحارة.
يمكنك التعرف على هذه الوصفات بالتفصيل من خلال زيارة مطبخ سيدتي