أكثر ما يحبه الأطفال ويتشوقون لسماعه الحكايات وسرد القصص، لذا يجب استغلالها كونها أداة فعالة؛ لتعليمهم بعض المعاني التربوية والدينية من خلال طرح القصص، التي تم ذكرها في القرآن الكريم.
يسرد لنا الشيخ والداعية محمد الغضية القصة قائلاً: «بعد أن خلق الله السماوات والأرض والملائكة والجن، قرر سبحانه أن يخلق سيدنا آدم، فجمع الملائكة والجن ليقول لهم إنه سيجعل في الأرض خليفة، خافت الملائكة من أن يكون ذلك المخلوق سيئاً فيفسد الأرض، وتساءلت دون اعتراض على أمر الله قائلة بأدب: «يا ألله، لا نعترض على أمرك، كما أننا لا نعصاك، فهل ستجعل في الأرض من يفسد فيها؟»، فقال لهم رب العالمين: «إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ»، فخلق الله سيدنا آدم، من الطين، من كل طين في الأرض، لذا نرى الناس تختلف في ألوانها وأشكالها وطباعها، ثم كرّم الله تعالى سيدنا آدم بأن نفخ فيه من روحه، ثم علّمه الأسماء كلها كأسماء الدواب والشجر والبحر والسهل وغيرها».
وأضاف: «عرض الله تلك الأشياء على الملائكة فلم يعرفوها، وعندما عرضها على سيدنا آدم عرفها كلها، فعلمت الملائكة أن الله أعلم بكل شيء، بعدها جمع الله الملائكة وإبليس وأمرهم بالسجود لسيدنا آدم؛ تكريماً وتعظيماً لخلق الله تعالى، فسمعت الملائكة كلام الله ونفذته وسجدت، لكن الشيطان رفض واستكبر، وقال: «كيف أسجد لمن خلق من طين وأنا خلقت من نار فأنا أفضل منه؟»، فغضب الله منه وطرده من الجنة ومن رحمته، وأمر الله آدم أن يتمتع بالجنة وما فيها بعد أن خلق له من ضلعه الأيسر زوجة لمؤانسته، وهي «حواء»، وسكن آدم وحواء الجنة، وقال الله لهما: «تمتعا بالجنة وكلا ما تريدان إلا شجرة واحدة».
حيث قال لهما: «وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِين»، وعندما شاهد إبليس آدم وحواء ينعمان بحياة هنية اغتاظ من ذلك، وقرر أن يغوي آدم ويوقعه في الخطأ ليعصي الله كما فعل هو؛ وذهب إلى سيدنا آدم وحواء، وجلس يكذب عليهما ويقول لهما: «إن أردتما العيش دائماً في الجنة والنعيم للأبد فيجب أن تأكلا من تلك الشجرة، فنسي آدم تنبيه الله له بعدم الأكل منها، وأكل منها هو وزوجته، وأول ما حدث لهما أن الثياب التي كانا يرتديانها اختفت وأصبحا عاريين تماماً، فخجلا وأخذا من أوراق الشجر؛ لتغطية عورتيهما طلباً للستر، وبالطبع غضب الله من آدم وحواء، فقرر أن يعاقبهما بالخروج من الجنة، وأن ينزلا إلى الأرض التي فيها الشمس الحارة والشتاء القارص والجوع، وبعد نزوله إلى الأرض ندم سيدنا آدم وحواء واعتذرا لرب العالمين على نسيانهما والخطأ الذي ارتكباه، ومازال إبليس حتى الآن يوسوس للبشر؛ لحقده وغضبه من طرده من الجنة، فعزم على إفساد البشر لعمل السيئات؛ حتى يطردوا من جنة النعيم، ولكن الله سبحانه حذرنا منه ومن شره في العديد من السور القرآنية؛ لكي نبتعد عن خطوات الشيطان الرجيم، ونفوز بجنة النعيم» .
الاستفادة التربوية للطفل من القصة
بعد سرد تلك القصة المشوقة للطفل، يفضل أن تجعل الأم باب الحوار مفتوحاً بينها وبين طفلها؛ ليعددا الأمور التي تمت الاستفادة منها من تلك القصة، والتي تشمل النواحي التربوية الآتية:
- الأدب والتهذيب: رغم استغراب الملائكة وخوفهم من أن يخلق الله بشراً يفسدون في الأرض، إلا أنهم سألوا الله بكل أدب وتهذيب عن سبب خلقه، على عكس الشيطان الذي اعترض وغضب فأغضب الله، وهكذا يجب أن نتعلم أدب الحوار ووالسؤال في الأمور التي لا نعلمها.
- الاعتراف بالخطأ: نرى في القصة أن سيدنا آدم عندما عاقبه الله وأنزله إلى الأرض لم يغضب ويتمرد، بل اعترف بالخطأ واعتذر واستجاب لأمر الله ونزل إلى الأرض، لذا يجب علينا إن أخطأنا أن نعترف بالخطأ، وإن عاقبنا الكبار فهم يريدون مصلحتنا.
- الشيطان عدونا: نتعلم من القصة أن الشيطان أكبر عدو للإنسان، وهو من يوسوس له ليرتكب الخطأ؛ لذا يجب أن نستعيذ منه وأن نطيع الله، ولا نرتكب الأخطاء التي يغرينا بها الشيطان.
- الكذب: توضح لنا القصة أن الكذب من صفات الشيطان، وهو فعل يصل بنا لارتكاب الأخطاء، فيجب أن لا نكذب؛ لكي لا نغضب الله ونغضب أسرتنا وأصدقاءنا.
- البعد عن الغرور والحقد: يجب أن نتعلم أن سبب طرد الشيطان من الجنة هو غروره وحقده على سيدنا آدم وتباهيه بنفسه، وعلينا أن نتواضع مهما كنا أفضل من أصدقائنا.
- تقبل العقوبة: نرى أن الله عندما عاقب آدم لم يغضب أو يعترض؛لأنه يعلم أن الله يحبه ويريد مصلحته، ولكنه يعاقبه؛ لأنه أخطأ، كذلك علينا إن أخطأنا أن نتقبل عقوبة الأم والأب لنا؛ لأنهما يدركان مصلحتنا ويعاقبانا؛ كي لا نكرر الخطأ مرة أخرى.
- الاستفادة من التجارب: آدم بعدما غدر به الشيطان علم أن الشيطان عدو له، فلم يسمع كلامه مرة أخرى هو وزوجته حواء، بل كانا يعلمان أولادهما أيضاً أن لا يسمعوا لوسوسة الشيطان؛ لأنه عدو لهم، لذا علينا أن نتعلم من أخطائنا؛ لكي لا نقع بها مرة ثانية.
- تغليف الشر بالخير: قد يأتي لنا أحد الأصدقاء ويقول: «دعنا يا فلان نضايق صديقنا مثلاً أو نستهزئ به لنضحك ونسعد»، وهو بالطبع أمر خاطئ، ولكن الآخر يحاول أن يجمله، وتقول لك الأم: «لا تفعل ذلك، فهو أمر سيئ»، لكن يغريك ما قاله صديقك عن الاستمتاع والضحك، فتقوم به، وهنا تقع في الخطأ؛ لذا يجب سماع كلام الأهل وعدم السير وراء من يوقعون بنا في الأخطاء، كما فعل إبليس مع آدم عندما جعله يأكل من الشجرة المحرمة.