التحرش هو انتهاك لحقوق الإنسان والتعدي عليها، فهو اغتصاب لحدود شخصية لإشباع رغبات مرضية قد يعاني منها البعض، في السعودية طفت على السطح مناظر ووقائع للتحرش، أثارت الرأي العام من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، هذا فقط ما تم رصده، لكن ما يخفى عن عدسات فضوليي مواقع التواصل الكثير والكثير.
نعم نرى زيادة الوعي عند بعض الفتيات ما يجعلهن يمتلكن الشجاعة وعدم الصمود أمام المتحرش وإحالته للجهات المختصة، لكن تبقى هناك فئة، للأسف، تفضل الصمت وتمادي أولئك المرضى عن الشكوى والمطالبة بحقوقهن، «سيدتي» تواصلت مع العديد من الفتيات اللواتي تم التحرش بهن؛ لتروي كل واحدة منهن قصتها، وكيف كان تصرفها مع الموقف.
رحلة مرعبة وسائق جشع
تحكي لنا «ب.ع.ع» -33 عاماً، موظفة-: «قبل 3 أعوام تقريباً، جاءتني دورة تدريبية بمكة، واضطررت للذهاب من جدة إلى مكة، عن طريق النقل الجماعي، كالعادة ترافقني صديقتي، لكن في تلك المرة، صادفتها ظروف واعتذرت وذهبت وحدي، استقللت الحافلة وتم حجز المقعد الأمامي الذي يكمن خلف السائق لي من قِبل فتاة كانت معي في غرفة الانتظار، في البداية، لاحظت نظرات السائق وتوجيه المرآة التي أمامه عليّ، وكان يرمقني بنظرات تحكي رغباته البشعة، نظراته كانت كالأسهم النارية تخترقني، حاولت التجاهل فتجاهلت، وفجأة التفت نحو هاتفي المحمول، لأُصعَق من تنبيهات ملحة للاقتران بالبلوتوث، وعرفت أن هذه الطلبات الموجهة لي منه؛ لأنه مع كل رنة للطلب ينظر إليّ، كأنه يقول لي اقبلي الطلب، حاولت الصمود، وشعرت بأن مسافة الرحلة تزداد طولاً، حتى حصل ما لم أتوقعه، وكاد قلبي يخرج من مكانه حينها، فقد تجرأ السائق بأن يلف ذراعه خلف مقعده ويحاول الإمساك بساقي وملامستها، هنا لم أتمالك نفسي، وبدون شعور قامت أصابعي بطلب الشرطة، لا أعرف كيف جاءتني الشجاعة، لكن ما فعله السائق من تجاوز أكد لي أنه ينوي لشيء أكبر.
أصر رجل الشرطة على أن يرافقني على سماعة هاتفي المحمول حتى أصل لمكة وطمأنني بأن السائق بمجرد أن يوصلني لمحطة الحافلات، سيتم القبض عليه، وفعلاً، بمجرد وصولي لمحطة الحافلة، رأيت سيارة دورية تقف بجانب الحافلة، ويأمر الشرطي السائق بإيصال بقية الركاب والعودة إليه، وسيكون تحت مراقبته، حتى يعود، وستتم محاسبته على ما فعله».
الخوف من الفضيحة أهم من حقي!
هنا تروي ن.س.ز -23 عاماً- طالبة، تقول: «في يوم من الأيام، قررت زيارة جارتي التي تعلو شقتها شقتنا لأستلف منها بعضاً من الحليب، وبينما كنت أصعد الدرج سمعت صوت أقدام قادمة من الدور العلوي الذي يقطن به أبناء صاحب العمارة وحدهم، واصلت الصعود، لكن، فجأة وبدون مقدمات، رأيت أقداماً تتسارع خطواتها نحوي، لم أستوعب من هول الصدمة، حاول الإمساك بيدي، حاولت الفرار، لكنه حاصرني في زاوية ضيقة بين السلالم، لم أتمالك نفسي، حاولت الصراخ، هددني وحاول التحرش بي، قاومته بكل ما أوتيت من قوة، قررت الصراخ، فصرخت وهرب، وفي نفس اللحظة، دخل أحد إخوتي العمارة، وسمع صوتي، وأسرع نحوي يسألني، أشرت نحو باب العمارة، ليخرج ويرى الهارب من بعيد، يركض بقدميه ويترك سيارته مركونة أمام المبنى».
وتستأنف «ن»: «دخل أخي الأكبر ورآني منهارة، وقصصت له ما حدث، لم يتمالك نفسه، واتصل بالشرطة فوراً، وجاءت الشرطة لتأخذ سيارة المعتدي، وتكشف عن هويته، وفعلاً، تم إلقاء القبض عليه في اليوم الثاني، واستدعائي، لأذهب مع أخي وأدلي بأقوالي، لكن ما صدمني ردة فعل عائلتي الذين عارضوا أخي الأكبر، وثاروا عليه واتهموه بأنه لا يخاف على سمعتي باتصاله بالشرطة، غضبت والدتي من أخي وحملته مسؤولية أن الحارة كلها أصبحت تتساءل عن وجود الشرطة، وأختي الكبرى التي قالت له: «لو سكت كان أحسن بدل الفضايح».
اعتذر أخي للعائلة، وقال إنه لم يفكر بأبعاد الموضوع، وكل ما كان يفكر فيه، تلك اللحظة، أن ينال المعتدي جزاءه، أصابني الحزن وانكسر قلبي على أخي وعلى نفسي، كيف جعلوه يشعر بالذنب، هل حقي أهم أم ما يسمونه فضيحة؟!».
تعرضت للتحرش داخل منزلي
أما «ح.ش» -20 عاماً، ربة منزل، فتقول: «كنت في عامي الأول من زواجي، وتعرضت للتحرش داخل أسوار منزلي، فقد كنت أعيش بشقة مستقلة مع أهل زوجي، وكانت أخته المطلقة تقطن في نفس المبنى، وكان لديها ابن شاب دائم اللحاق بي، أينما ذهبت، فيتعمد مصادفتي وملاحقتي، كلما حاولت الخروج من المنزل أو الصعود في المصعد، كما يترصد خروجي بمفردي، لكن ما لم يخطر على بالي أن يحاول الدخول إلي شقتي، والتهجم علي في منزلي، حاولت مقاومته بشدة، وعندما بدأت بالصراخ فرّ هارباً، وفي إحدى الليالي العائلية التي كنا نجتمع بها حاولت أن أتحدث مع والدته والتلميح لها بالموضوع، لكنها من شدة الصدمة لم تتقبل، وحاولت الدفاع عن ابنها بعصبية وغضب، مما سبب توتراً وشرخاً كبيراً في العائلة، لم يبرأ حتى الآن».
عمي سبب مأساتي.. ومديرتي تستغلني
وها هي «ف.ز» -23 عاماً – موظفة، تحكي لنا عن تعرضها، مرات عديدة، للتحرش من عمها، والذي يستضيفه والدها بمنزله، ولا يعتبره مجرد أخ، بل صديق أيضاً، فقد كان هذا العم يجردها من ملابسها، ويعتدي عليها بعد خلو المنزل وخروج عائلتها منه، وللعلاقة العميقة بين أبيها وعمها، ومعزته له، كان العم مطمئناً اطمئناناً تاماً بأنها لو صرحت وأبلغت العائلة، فلن يصدقها أحد، وسيتهمونها بأن لها علاقة غير شرعية مع شخص آخر، وأنها تلقي عليه الاتهامات؛ لكي تخرج نفسها، لذا، استصعبت أن تحكي لعائلتها ما يجري.
وتستأنف «ف. ز» مأساتها، وتقول: «عند اجتماع العائلة كل أسبوع، يجبرني والدي على تواجدي، كنت في قمة حزني وخوفي من نظراته غير البريئة والمخيفة لي، وهذا ما جعلني أشغل وقتي بالعمل المستمر، ولأن أوراقي الرسمية غير مكتملة، فليس كل الأماكن تقبل توظيفي، ولذلك، ذهبت لإحدى المدارس الخاصة، وتحدثت مع مديرة المدرسة، وسردت لها قصتي ومأساتي، وتعاطفت معي، وقبلت بتوظيفي، وكنت في قمة سعادتي، وبدأت العمل بنشاط وحماس، ولكن بعد فترة، فوجئت بضغط الشغل في أوقات العمل، وتكليفي بأعمال إضافية خارج الدوام الرسمي للعمل، وعند اعتراضي على ذلك، تقوم مديرتي بابتزازي بما رويته لها، وأنها ستخبر عائلتي، ومن بعد ذلك، أصبحت حياتي مأساة، في داخل المنزل، وفي العمل أيضاً، حتى قررت ترك العمل، والرضا بجحيم المنزل وحده».
خالي العزيز يتحرش بي
وتسرد الطالبة «ن.ع»: «كنت في فترة من الفترات مخطوبة، وكانت علاقتي بخطيبي يشوبها بعض التوتر والمشاكل التي تزيد يوماً بعد يوم، مما جعلني ألجأ إلى خالي الذي كان بمثابة والدي لمساعدتي، كنا نسكن في نفس المبنى، وفي يوم من الأيام، استغل عدم وجود زوجته في البيت، وطلب من والدتي أن ترسلني إليه حتى يقنعني بالصلح بيني وبين خطيبي، وبينما كنا نتحدث، إذا بخالي يُسمِعني، عبر جواله، أصوات مقطع لفيلم إباحي، فلم أستوعب، بدايةً، ما سمعت، نظرت إليه، فإذا به يبدأ بالتجرد من ملابسه ويقوم بحركات معينة، ويقول لي كلاماً خارج نطاق الأدب، وبدأ يقنعني بأنه يحبني، تركته وهربت، وأنا تحت صدمة نفسية، ولا أصدق ما حدث معي، ومع تكرار محاولاته، أخبرت والدتي بذلك، وعندما واجهته باتهامي له، أنكر وأخبر بقية العائلة واستثارهم ضدي، وأصر على موقفه وكذبه، حتى كذبتني والدتي أيضاً».