رثاء وشهادات مغربية في رحيل الكاتب مصطفى المسناوي

8 صور

توفي الكاتب والناقد مصطفى المسناوي على حين غرة، داهمه الموت في القاهرة أثناء حضوره مهرجان القاهرة السينمائي. تاركاً وراءه ابنين يافعين أنس ووليد وزوجته المكلومة ليلى جمال. الراحل ناقد متمرس له اهتمامات كثيرة بالفلسفة والأدب والسينما، حاضر باستمرار في المهرجانات العربية والدولية. صديقه لحسن لعسيبي في الحرفة والحياة، كتب تدوينة مؤثرة عن اللحظات الأخيرة، نقدم مقتطفات منها:
بعض الكتابة صراخ، وبعض الصراخ محاولة للتخلص من الألم. لا أريد أن أكتب هنا عن سيرة قصة علاقتي بأخي وصديقي مصطفى المسناوي التي تمتد إلى 27 سنة. بل أريد أن أكتب عن آخر لحظاتي معه هو الذي توفي بين يديّ.
في ذلك الثلاثاء، رنّ هاتف غرفتي بفندق ماريوت في السادسة والنصف صباحاً. كان صوت مصطفى متعباً، وقال لي إنه يشعر بمغص شديد في بطنه. توجهت إليه في غرفته، وقلت له أن نطلب طبيب الفندق، فأخبرني أنه طلبه هو أيضاً. كان يذرع الغرفة جيئةً وذهاباً من شدة الألم. قال لي: «ربما أثقلت في الأكل البارحة». قلت له: قد لا تكون المعدة، بل ربما القلب، فهل تناولت أدويتك اليومية المعتادة، أجابني أنه تناولها قبل نومه. كان الألم يزداد، حين وصل الطبيب الذي سأله ما أكله، لكنني أخبرته أنه مريض بالقلب، وسبق أن أجرى عملية جراحية منذ سنتين، وشكي يذهب في اتجاه آخر، وألححت عليه في طلب سيارة إسعاف لنقله إلى أقرب مستشفى. اتصل بمساعد له وطلب منه إحضارة آلة رسم القلب، وأن يتصل بسيارة إسعاف مستشفى الصفاء. بعد 10 دقائق خرجت ورقة تخطيط القلب، تؤكد أنها أزمة قلبية حادة. كان حينها مصطفى قد بدأ يستشعر ألماً في صدره ويتعرق. مددناه على السرير؛ ليرتاح، وطلب في أن نسرع بنقله لأقرب مستشفى وليس بالضرورة مستشفى الصفاء، فكان القرار أن نأخده للمستشفى الأمريكي قرب نادي الأهلي بالزمالك لقربه من الفندق. بدأ حينها يتألم وينطق بالشهادتين، مازحته أن زمن الشهادة لا يزال بعيداً. لم يجبني بل واصل نطق الشهادتين، أدركت أن ألمه فظيع. نزلت بسرعة إلى بهو الفندق أستعجل وصول سيارة الإسعاف، وصعدت مع الطبيب الثاني الذي حضر وبعض ممرضين وجمهرة من مسؤولي الفندق. حين وصلنا الغرفة كان قد بدأ يدخل في غيبوبة، حملوه بسرعة إلى سيارة الإسعاف، وركبت معه. توقف عن نطق الشهادتين ودخل في شبه غيبوبة مع بضع حشرجات صغيرة. كنت أصرخ في سائق السيارة أن يسرع أكثر. في منتصف الطريق قال لي الطبيب المرافق، لقد انتقل صديقك إلى رحمة الله.
صمتّ. فقط صمتّ، وبقيت أردد بعد لحظة ذهول «لا حول ولا قوة إلا بالله»، منذ أقل من ساعة كنا نتكلم معاً، والآن هو صامت إلى الأبد. أدخلناه ثلاجة المستشفى، واتصلت بابنه أنس في أبوظبي؛ لأنه لم تكن لي القدرة للاتصال بزوجته الأستاذة ليلى جمال؛ لأخبرها. كان أنس صلباً، فعلاً رجل من ظهر رجل. ثم اتصلت بمصادري بالسفارة المغربية، ثم أخبرت صديقنا مصطفى الكيلاني الذي طلبت منه إخبار إدارة المهرجان، فيما هاتف صديقنا أحمد فايق لا يرد. كان فريق كامل من مسؤولي السفارة المغربية إلى جانبي بالفندق، وأنا ممنون لهم عالياً وقاموا بجهد خرافي..
هل مات مصطفى المسناوي؟. هل سأعود وحدي في الطائرة؟. كم أنسى أن أجمل الفرسان ذاك الذي يسقط في ساحة معركة فروسيته. مصطفى فارس مغربي في الفكر والأدب وفن السينما، ومكر القدر شاء أن يسقط في محفل كبير للسينما بالقاهرة.
أما الإعلامي الكاتب عبد الحميد جماهري فرثى صديقه قائلاً:
لم أكن أدرك (ومن أين لي بذلك؟)، وأنا أعانق مصطفى المسناوي يوم الجمعة! الماضية، أنني في الوقت ذاته أعانق جثثه. يومه جاء الفقيد مصطفى رفقة الزميل لحسن العسيبي أطال الله عمره؛ لكي يودعنا وهو ذاهب إلى القاهرة لأجل السينما (هو صاحب سوليماهم في وجوههم)، وتعانقنا بحرارة وعاتبته أنه لم يعد يزورنا.
وعدني أنه سيزورني بعد عودته من القاهرة: لم يزرني.
ولم يعد من القاهرة التي أحب زنقتها في البيضاء (زنقة القاهرة)، وبنى فيه صداقات مع المرحوم العربي باطما وأحمد السنوني بزيز أطال الله عمره.
طمأنني الزميل ومعالي الصديق مصطفى الخلفي أن السيد سعد العلمي، السفير اللبيب والخلوق والمثقف الوطني الدمث الشفيف، في حالة تعبئة، بتأثر كبير لزميل له قبل أن يكون مواطناً مات في غربة الأهل.
ووجدت فيه نفس الحرص على إكرام الراحل..
بكيت حقاً، وشعرت كأنني شريك في الموت؛ لأنه زارنا بعد فراق تجاوز سبع سنين فيما أعتقد!
ويفاجئنا الإعلامي محمد بوخزار قائلاً: إنه صديق وقريب، فهو صهري، وأتقاسم معه ذكريات طويلة، الخبر كان صاعقاً خاصة وأن الرجل ظل وفياً لعمله حتى آخر رمق، أكاد أجزم أن مصطفى إلى جانب حبه وتفانيه في عمله شخص يقترب من الكمال بخلقه وأدبه، لطيف وخدوم ومخلص لصداقاته. علاوة على مواهبه المتعددة يعشق الكتابة ومتمرس، خبير بمجال السمعي البصري والثقافة الرقمية، كما أنه مترجم ممتاز ويتقن عدة لغات، إن كان فيه من عيب فهو الاهتمام الكبير بعمله لدرجة الإرهاق، لقد كان في مدينة العيون جنوب المغرب وبات ليلة في بيته بالدار البيضاء. وعلى الرغم من شعوره ببعض التعب لم يكترث للأمر، وسافر في اليوم الموالي للقاهرة؛ ليتلقفه الموت هناك. رحمه الله كان نعم المثقف الموهوب الوفي لعائلته وأصدقائه، ترك وراءه حباً عارماً محفوفاً بحسرة هذا الفقدان المفاجئ. رحمه الله.
كما رثته الممثلة مجيدة بنكيران على حسابها الفيسبوكي قائلة:
لم تأت...
لم تأخذ القطار من كازا إلى الرباط
لم نتناول الفطور معاً
لم نتحدث عن الفن السابع...
داخل الفن السابع.
لم نتحدث عن الصدق... وعن الافتعال
عن الذكر والصوفية والزوايا...
لم أسالك هذه المرة عن الطريقة التي تحفظ بها الأدوية حين تسافر
أدوية شفاء (القلب)، العضل الذي ألمك ويؤلمني...
القلب الذي انفطر لرحيلك
لم نتحدث عن الأطباء... النبيل والجشع.
لم أتفحص مجلتك... حول السينما طبعاً.
لم تنبه النادل... ملح قليل من فضلك.
كيف سنجلس داخل المركز؟
كيف وبماذا سنبدأ؟
رؤية مقعدك فارغاً... ستؤلمني
من سيدقق... التفاصيل ستتوه
المعنى سيغيب... في غيابك
بطاقة
ولد مصطفى المسناوي في مدينة الدار البيضاء سنة 1953، ودرس في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، وهو حاصل على الإجازة في الفلسفة سنة 1977 ثم على دبلوم الدراسات المعمقة. وكان عضواً في اتحاد كتاب المغرب، وأسهم في تحرير مجلة «الثقافة الجديدة»، كما عمل مديراً لجريدة «الجامعة» ولمجلة «بيت الحكمة» المختصة في الترجمة.
وكان للراحل إنتاجات بين القصة القصيرة والترجمة عن الفرنسية والإسبانية، حيث صدر له عمل قصصي هو «طارق الذي لم يفتح الأندلس»، الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت في 1976، وترجمتان هما «المنهجية في علم اجتماع الأدب» للوسيان غولدمان، و«سوسيولوجيا الغزل العربي: الشعر العذري نموذجاً» للطاهر لبيب.