انتشرت في السنوات الأخيرة الأسماء المستعارة في الوسط الغنائي في السعودية. ومع التزايد الرهيب في الشخصيات الوهمية، سواء على مستوى الملحنين أو الشعراء، بات "الفنان الشبح" يمثل ظاهرة تجتاح الفن السعودي. وتعدّ هذه الظاهرة سعودية بامتياز، حيث لا يوجد ما يماثلها في العالم العربي، وحتى عالمياً. وإن كان هناك وجود للأسماء المستعارة في الأدب وكتابة الرواية والقصة والمقال والصحافة في العالم كلّه، ومنذ القدم، حيث تسيطر الشخصيات التي تعمل بأسماء وهمية، وكأنها "اللهو الخفي" على الأغنية في بلد ما لحناً وشعراً، من خلال احتكار أغاني كبار نجوم الطرب، عبر شراء أصواتهم بأموال طائلة، فهذا لا يوجد إلا في السعودية.
"سيدتي نت" تكشف أسرار "الفنان الشبح" الذي يخطف الساحة الغنائية السعودية في هذا التحقيق:
"للتخفي" أسباب عديدة
تتعدد أسباب اختيار المبدع في المجال الفني في السعودية، سواء أكان ملحناً أو شاعراً، لاسم مستعار يتوارى خلفه؛ فلربّما يكون أبرزها أنّ السعودية بلد محافظ ولديه عادات وتقاليد خاصة ومتوارثة، وما زالت بعض القبائل والعائلات لديها تحفظات واسعة على الفن، من ناحية دينية واجتماعية، فيرفض الأهل دخول أبنائهم الوسط الفني، كما أنّ بعضهم لديهم أسباب خاصة تمنعهم من الظهور بشخصياتهم وأسمائهم الحقيقية، ومنها: الوجاهة الاجتماعية، والارتباط بعمل أو وظيفة ما، والخوف من ردة فعل واستقبال الجمهور والنقاد، وغيرها من العوامل المرتبطة بكلّ شخص على حدة.
الأسماء المستعارة إبداع ونجاح وتألق
العديد من الأسماء المستعارة في اللحن والشعر السعوديين قدّمت إبداعات رفيعة المستوى على مدار سنوات طويلة وأعمالاً غنائية ما تزال تعيش في وجدان السعوديين، فيما بعضهم لا يهمه الاسم بقدر ما تهمه قيمة العمل الفني، ولكن رغبتهم في عدم الظهور، بالإضافة إلى ظروفهم الاجتماعية تمنعهم من كشف شخصياتهم، بل وتدفعهم إلى نسبة الكثير من الأغاني لملحنين آخرين وأسماء مستعارة، ومنهم: الموسيقار "طلال"، الذي تمتد مسيرته الفنية الطويلة لما يزيد عن 30 عاماً بأعمال لكبار المطربين، مثل: طلال مداح، محمد عبده، رابح صقر، وغيرهم.
وكذلك الملحن "سهم"، الذي قدّم عدداً كبيراً من الأعمال الغنائية المميزة والمتنوعة مع عدة نجوم، مثل: رابح صقر، ونوال الكويتية، وراشد الماجد، وأصالة نصري، والملحن ياسر بوعلي، الذي أسهم بأعماله مع العديد من المطربين السعوديين والعرب في إثراء الساحة الفنية بألحان لأغنيات حققت نجاحاً لافتاً.
الكشف عن أسماء وهمية
كثيرة هي نماذج الأسماء الوهمية، التي تمّ الكشف عنها في عالمنا العربي، ومنها: الشاعرة الإماراتية "غياهيب" الملقّبة بـ"شاعرة الوطن"، والتي كشفت عن شخصيّتها واسمها الحقيقيّ منذ فترة، وهو "الشيخة فاطمة بنت راشد بن سعيد آل مكتوم"، والشاعر "أدونيس" الذي أعلن اسمه الحقيقي علي أحمد سعيد، و"مخاوي الليل"، وهو الفنان خالد عبدالرحمن، و"أسير الشوق" الأمير نواف بن فيصل، و"منادي" الأمير سعد بن سعود.
الاسم المستعار نوع من جسّ النبض
قال الملحن خالد العليان: "أنا مع من يستخدمون أسماء مستعارة في الأغنية السعودية سواء على مستوى التلحين أو الشعر، وإذا كنت مكانهم سأفعل ذلك، حيث إن لديهم أسباباً لذلك تتعلق بطبيعة المجتمع السعودي الخاصة، من حيث إنه مجتمع له عاداته وتقاليده. فوضعهم الاجتماعي لا يتيح لهم الظهور، كما أنّ بعض الأسر ترفض وجود أبنائها في الوسط الفني حتى أنّ أسماء بعض الفنانين الموجودين على الساحة غير حقيقية، وإن كانوا موجودين بالطبع".
وأضاف: "ربما يكون استخدام الاسم المستعار نوعاً من جسّ النبض بين الملحّن أو الشاعر وبين الجمهور والنقاد في جانب قبول أعماله، ثمّ التصريح بالشخصية، فمثلاً: الفنان خالد عبدالرحمن كان يكتب أشعاراً باسم "مخاوي الليل"، ولم يعرف ذلك أحد إلا عندما أعلن ذلك بنفسه. وبشكل عام، الفن لا هوية له، ولا يرتبط بالاسم أو الجنسية. والأعمال تعيش في ذاكرة الجمهور لقيمتها، وليس بسبب اسم الفنان الذي أبدعها، إضافة إلى أنّ الملحن يكون دائماً خلف الكواليس، والمطرب هو من يأخذ "الشو" الإعلامي والجماهيري؛ وفي ذلك ليس هناك فارق بين معرفة اسم الملحن وعدمه".
الأسماء الوهمية تسيطر على الساحة الفنية
هاجم الملحن ناصر الصالح إخفاء الملحنين أسماءهم وشخصياتهم في الوسط الفني السعودي، فقال: "زاد عدد الملحنين في الوسط الفني السعودي خلال السنوات الأخيرة بصورة غريبة، فيما انتشرت وبصورة مبالغ فيها أسماء وهمية في الشعر والتلحين تسيطر على الساحة فنياً وإعلامياً ومادياً، وأنا لا أعترف بهم، ولا يمكنني أن أنافس أسماء وهمية، لكنني أنافس فقط اسماً حقيقياً. فيجب بداية للتنافس أن يقدّم الملحن نفسه للجمهور والوسط الفني بكينونته الحقيقية".
وأضاف الصالح: بعض المحسوبين على الوسط الفني في السعودية يحاربونني إعلامياً بشكل غير مباشر، ويدفعونني إلى الاختفاء من الساحة الفنية والملحنين الحقيقيين معي، حتى نترك الساحة للأسماء الوهمية؛ وذلك لن يحدث.
ظاهرة تستحق الدراسة
حول هذه الظاهرة قال الكاتب والناقد رجا العتيبي: "لا أجد استخدام الأسماء المستعارة في مجال الفنون سلوكاً مرحّباً به في هذا الزمن، "زمن قنوات التواصل الاجتماعي وزمن ما بعد الحداثة وزمن الجماهير"؛ لأن الإنسان المبدع بات شخصية مطلوبة جماهيرياً "بشحمه ولحمه"، فالمعجبون يريدون أن يتواصلوا مع نجمهم وجهاً لوجه، ولا يريدون أن يتواصلوا مع مبدع يظلّ بمثابة "الشبح" بالنسبة لهم".
وأكد أن الاسم المستعار في هذا الزمن يؤثر سلباً في جماهيرية المبدع ويحدّ من انطلاقته. فهو لدى الكبار تعالٍ على الجماهير، ولدى الصغار استخفاف بهم، مشيراً إلى أنه في هذا الزمن لا يستطيع أحد أن يخفي نفسه مهما كان؛ وطالما أنه لا يستطيع ذلك، فعليه أن يظهر باسمه الحقيقي، حسب تصريحه.
وأضاف العتيبي: "مهما كانت المبرّرات لا أحد في هذا الزمن يقبل الاسم المستعار، والفنون التي يمارسها المجتمع لا تدخل في باب المحرّمات أو باب العيب حتى يخجل صاحب الاسم المستعار من إظهار اسمه، والجماهير تحبّ نجومها، وعليهم أن يظهروا بشخصياتهم الحقيقية وأسمائهم الحقيقية. وأعتقد أنّ المشكلة تكمن في أنّ الاسم المستعار ما يزال له حضوره في المجتمع الفني السعودي، ولا يوجد له مثيل محلياً وعربياً ودولياً، وهي ظاهرة تستحق الدراسة فعلاً.
الكاتب الفني صالح العلياني
انتقد الكاتب الفني صالح العلياني وجود العديد من الملحنين والشعراء الذين يخفون شخصياتهم وأسماءهم في الوسط الغنائي السعودي، مستغرباً كثرة الأسماء الوهمية، ولاسيما في السنوات القليلة الماضية، معتبراً أن هذه الظاهرة باتت خطراً يداهم الساحة الغنائية من حيث كونها تفقد التنافس الفني قيمته، وتضعف من مستوى الأغنية التي سيكون أغلبها غير معلوم المصدر، وكذلك تخفف عن كاهل تلك الأسماء المستعارة التحليل والنقد الفني الموضوعي، الذي يرتبط بالشخصية والثقافة والوعي الفني.
تابعوا أيضاً:
أخبار المشاهير على مواقع التواصل الإجتماعي عبر صفحة مشاهير أونلاين
ولمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا أنستغرام سيدتي
ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر تويتر "سيدتي فن"