ينمو بعض الأطفال نمواً طبيعياً، فيما يتعثَّر آخرون ويعانون من اضطرابات ومشاكل صحيَّة ونفسيَّة واجتماعيَّة، وجميع الدِّراسات التي تناولت قضايا الأطفال ابتداء من اضطراب ثنائي القطب إلى الأعراض المبكرة لاضطراب الشخصيَّة السيكوبآتيَّة، اتفقت على أنَّ حبَّ وحنان الوالدين مهم جداً لتفادي كثير من الاضطرابات.
«سيدتي وطفلك» التقت بالاختصاصيَّة النفسيَّة، سعديَّة القيطي، لتطلعك ما المقصود وماذا يعني حبِّ وحنان الوالدين لأبنائهما وكيف نشعرهم به؟
أن نتحمل تصرفاتهم وشقاوتهم، وأن نغيِّر مسارها من دون استخدام السلطة والقوه والعصبيَّة.
أن نحفِّزهم من دون أن نعنِّفهم، ونعلمهم بالضحك والتعاطف وليس باللوم والاستهزاء.
أن نحضنهم ونشعرهم بالحنان، وأنَّنا معهم مهما فعلوا ومهما أخطأوا، وذلك بغض النظر عن الإرهاق والتعب والاكتئاب أو أي أمور قد تشغلنا أو تؤثر فينا.
فلا يعني أن نتعامل بالحبِّ حين نكون في مزاج عالٍ، وحين ننشغل أو نتعرَّض لضغوط في الحياة نتعامل بصورة سيئة، ليس هذا الحنان أو الحب الذي نتحدث عنه هنا، إنَّنا نتحدَّث عن تلك المشاعر الجميلة التي يتعامل بها من يصلح أن يكون مربياً بالفعل.
- وتضيف القعيطي أنَّ هناك دراسة تعدُّ الأولى من نوعها قام الباحثون في جامعة كاليفورنيا باختبار آثار سوء المعاملة وغياب الحنان والحبِّ في المعاملة الوالديَّة على الجهاز التنظيمي الكامل لجسم الإنسان، وتم العثور على ارتباط بيولوجي قوي بين التجارب المبكرة للحياة السلبيَّة وسوء الحالة الصحيَّة في المستقبل.
- كما أشارت العديد من الأبحاث السابقة بوجود ارتباط بين الحالة النفسيَّة والصحيَّة وسوء معاملة الأطفال أو إهمالهم وعلى سبيل المثال: وجد أنَّ التوتر والقلق في مرحلة الطفولة مرتبط بارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم، وأمراض القلب، وغيرها من الأمراض التي تشكل خطراً صحياً كبيراً.
ويؤكد الأطباء والاختصاصيون النفسيون على أهميَّة الحبِّ والحنان من الوالدين فذلك يساعد الأطفال على النمو والتطور، سواء من الناحية النفسيَّة أو العقليَّة أو العاطفيَّة:
لأنَّ الحبَّ يشعر الأطفال بالأمان والسعادة، كما يجعلهم أكثر ثقة وتقديراً لأنفسهم، ويزيد لديهم الإحساس بالقيمة والأهميَّة.
ويجعلهم أقل عرضة للانخراط في أي نشاطات انحرافيَّة أو عدوانيَّة.
فهذا يعطي الأطفال المجال لأن يتصرفوا بطبيعتهم من دون خوف من انتقاد أو رفض من الوالدين، وأن يلجأوا لهما عند حدوث أي مشكلة تعترض طريقهم.
- في حين أنَّ الأطفال الذين ينتمون لعوائل تفتقد لمشاعر الحبِّ والحنان، يتملكهم:
- الخوف والحذر من كل شيء، فهم إما خائفون من ردات أفعال الوالدين أو حذرون في تصرفاتهم.
- يشعرون بالإحباط وأنَّه غير مرغوب بهم، وأنَّهم غير مهمِّين ويتصرفون بناءّ على ذلك الإحباط بطرق مختلفة، فالبعض ينسحب وينطوي على ذاته ويصبح غير اجتماعي.
- وآخرون قد يتصرَّفون بعدوانيَّة مع الآخرين ويسقطون الغضب والإحباط الذي يشعرون به نحو أهاليهم.
- فيما قد يظهر آخرون أنَّهم على ما يرام ويختبئون خلف أقنعة إحباطاتهم وشعورهم بعدم الأمان، كما أنَّهم يعانون من اضطراب في النمو والتطور.
- ينتهز الأطفال من هذه البيئات الفرص للمبيت بعيداً عن البيت لدى الأقارب، وحين يبلغون مرحلة ما في أعمارهم يستغنون عن والديهم وعن التواصل معهم إلا في الحالات الضروريَّة، ونتيجة لتجاهل والديهم وعدم وجود الدعم العاطفي لهم يصبحون غير مبالين وباردين في التعامل.
- كما أنَّ لوم الأطفال ومناداتهم بأسماء مهينة يعتبر من الأمور الضارة جداً على صحتهم ويؤثر على الخلايا العصبيَّة، وهو من الأمور التي يستمر أثرها في حياتهم كلها، خصوصاً أنَّ الأطفال يلتزمون الصمت أمام مثل هذه التصرُّفات ظناً منهم بأنَّ التعليقات والمسميات التي تطلق عليهم صحيحة.
وأخيراً تضيف سعدية أنَّه لا بد للوالدين أن ينتبها لكل ما يصدر منهم من أقوال وأفعال قد تؤثر في مستقبل أبنائهما على المدى البعيد، فالرأفة والرحمة بأطفالنا، فلا يوجد ما هو أهم من أطفالنا، فهم أمانة في أعناقنا، ألا يجدر بنا أن نتعامل معهم بالرفق والحنان، أليس ذلك من حقوقهم علينا.
ويقول الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، «ليسَ منَّا من لَم يَرحَمْ صغيرَنا».