الكتابة النسائية الإبداعية

آمنة الرميلي
آمنة الرميلي
آمنة الرميلي

دارت مادّة سرديّة واسعة في كتابات المرأة عن "الألم" و"الإيلام" و"الأذى". نجد هذا في الأقصوصة وفي الشّعر وخاصّة في الرّواية.
ويمكن أن نذكر بعض الرّوايات التّونسيّة التي بنيت على تيمة "الألم": "العراء" لحفيظة قارة بيبان، و"رايات سود" لشادية القاسمي، و"شطّ الأرواح" لآمنة الرميلي.
يسارع القرّاء والنقّاد إلى ردّ الألم في كتابة المرأة إلى وضع المرأة الاجتماعي، وما تتعرّض له من عنف حسّي ورمزيّ تترجمه فيما تكتب. وقد يكون هذا صحيحاً في تلك الرّوايات "السيريّة الاعترافيّة"، حيث تهيمن التّجربة الشخصيّة.
لكنني أرى الأمر أعمق من ذلك، إذ يتعلّق بلعبة فنّية تشترك فيها الكاتبة والكاتب معاً، وأنّ الألم هو مساحة تجربة مشتركة بين الباثّ والمتلقّي، وبين الشّخصيّة التخيلية التي يقع عليها الألم والقارئ ذي المعرفة الحسّية بالألم بدرجة أو بأخرى.
يحضرني في هذا السياق قول فخر الدّين الرّازي: "أمّا الألم فلا نزاع في كونه وجوديّاً" أي أنّ "الألم" مساحة بشريّة مشتركة لا محالة بين كلّ من الباثّ والمتلقّي داخل الخطاب الدّائر على الألم والإيلام. وبهذا نفسّر قوّة اللّحظة الإنشائيّة المتحرّكة داخل دائرة الألم في النّصوص السرديّة. إنّنا أمام إنشائيّة مخصوصة لها معاجمها وصورها وإيقاعاتها، ولها دوائر انفعاليّة عنيفة جدّاً، يمكن تبيّنها من مكوّنات الخطاب الذي تنتجه، وقد يكون صحيحاً أنّ الكاتبات يجدن في هذه الدوائر السردية نوعاً من التعبيريّة المخصوصة عمّا تحمله الذّاكرة الجندريّة من جراح وقهر وإحساس طويل بالظّلم والتّهميش.
وقد تجد الكتابة النسائية في إنشائية الألم خططاً سرديّة واختيارات تعبيريّة وبلاغيّة لا توفّرها لها أشكال أخرى للتّبليغ والتّأثير. لذلك يمكن اعتبار "إنشائيّة الألم" علامة قويّة من علامات المغامرة الإبداعيّة والمغامرة الوجوديّة. لأنّ الألم هو لغة تعبير وعلامة وجود في الذّاكرة وفي خلايا الجسد نفسه، لكن المهمّ أنّ "إنشائيّة الألم" والخطاب المنعقد عليه في كتابات المرأة يهبنا صنوفاً شتّى من التّأويلات حين نتتبّع مختلف الوضعيّات السّرديّة التي فاوضت بها الكاتبة الألم الواقع على هذه الشخصيّة أو تلك. وسيبقى الألم قائماً في كتابة المرأة وموضوعاً فنيّاً ما دام الجسد وما دامت الحياة.