يقول المثل الشعبي: إن البعيد عن العين بعيد عن القلب!! مثل مفهوم وواضح في معناه يُعبر ببساطة عن مشاعرنا تجاه الأشياء والأشخاص البعيدين عن أعيننا كيف أنهم قد ينتقلون إلى خانة النسيان الجزئي والحنين المؤقت!
يستعمله البعض كتهديد مبطن بالنسيان لأولئك الذين يستسهلون الغياب والرحيل عنا ويثقون بمكانتهم بأنها لن تتغير!!
يذكرني هذا المثل بمقوله لجبران خليل جبران: إن ما نتوق إليه ونعجز عن الحصول عليه أحب إلى قلوبنا مما حصلنا عليه؟!
أعتقد أن معظمنا يؤمن بكلا المقولتين معاً، فعلى سبيل المثال نصدق أن البعيد عنا بعيدً عن قلوبنا وأيضاً نصدق تماماً بأنه هو الأحب من ذلك القريب أو إن صح القول المتوافر الذي أشار إليه جبران!!
فكيف يحدث هذا!؟ كيف نؤمن بالقدر نفسه على الرغم من أن لكل من المقولتين حقيقة معاكسة تماماً للحقيقة الأخرى نوعاً ما.
الاختلاف الظاهر هي أن الأول قيل عن الأشخاص أما الثاني فيتناسب أكثر مع الأشياء والمقتنيات المادية والمعنوية التي نرغب بالحصول عليها ونلهث لتملكها، فلماذا لا نحاول الجمع بينهم بالمعروف لنخلق لنا مقولة ذاتية جديدة أو قناعة مصنوعة من الرضا لتكون هي الحقيقة الراسخة التي نعيش بها ونتمتع بامتلاكنا لها!؟
ففي ظل تركيزنا على الأمور المادية أو الأشياء الملموسة التي نود الحصول عليها يضيع منا الرضا، وتتركنا القناعة وشئنا نفعل ما نريد.
نبحث عما هو بعيد وننسى حجم المجهود الذي بذلناه لنحصل على ما نملك الآن، نهمل ما بأيدينا ونقلل من قيمته ويحول لخردة بعد أن كان في يوم من الأيام هو جل مبتغانا!؟؟
أيضاً قد نسيء بتقدير الأشخاص الذين تعودنا على وجودهم وعطائهم لنشعر بحجم تأثيره بعد فوات الأوان!
البعيد عن العين قد يشغلنا عن النظر إلى ذلك القريب الذي يلهث وراءه الغير ويقدره أكثر منا.
وما نتوق إليه إذا تمكن من أن يسلبنا الشعور والإحساس بما حولنا سيحرمنا أشياء أهم من تلك التي نعتقد أنها مهمة، سنصبح فقراء النفس مفلسين من الدهشة ومن المتعة وأخيراً من الحياة.
الرضا والطموح لا يؤثر ولا ينفي أحدهما الآخر بشرط أن يعيشا في داخلنا معاً بنسب متساوية لا يتعدى أحدهما على الآخر.