نلتقي في كل مرحلة من مراحلنا الكثير من الأشخاص الذين نسعد بهم، ونرغب برؤيتهم باستمرار، وما زلنا نذكرهم بالخير، يغادرنا البعض بإشعار مباغت من القدر، وينشغل البعض الآخر بظروف خارجة عن إرادته، أو بإرادته! والبعض منهم تنتهي رحلتنا اللطيفة التي جمعتنا بهم أيام بسيطة، لنذكرهم في المناسبات بين السنة والأخرى.
يبقى لنا من كل هذا مجموعة اصطفيناهم لأنفسنا، ربما هم قليلون بالعدد، لكنهم كالجيوش بما لديهم لنا، تكفينا بساطتهم وصفاء نواياهم.
هؤلاء هم من نأتمنهم على أرواحنا النقية، وحتى على نسبة الشر الذي نملكه بطبيعتنا، لا تَعبر كلماتنا معهم أياً من أجهزة الرقابة، ولسنا بحاجة لمفلتر أو مترجم يقرب لهم ما تقصده وجهات نظرنا.
يستنتجون آراءنا بالغير، ومتى يكون وضع المجاملة لدينا مُفَعل، لديهم توقيت لأحزاننا متى هي تئن، ومتى تخمد! نتجرد أمامهم من كل تكلف أو ادعاء.
بيننا دوماً شيفرة خاصة لا يعلم أي منا في أي مناسبة نشأت، ولا متى فككنا لغزها معاً.
نجتمع في صباحات كثيرة، حتى وإن كان أحدنا لا يشرب القهوة، ولا يحرص على ساعات الصباح الأولى!
وقت الشدائد نلجأ إليهم لأخذ نصيحة لا نرغب بتطبيقها، ولا ننتظرها، يكفينا سماعها لنعلم أن هناك حلولاً، وأن النجاة أمامنا إذا غرقنا.
الصداقة ليست في الصدق الذي يشتق من الكلمة، بل بالسلام الذي يصاحبها.
الصديق هو من يعلم عنك أدق التفاصيل من دون أن يتجسس عليك ويتطفل على خصوصيتك، يعلو بك ويشجعك حتى وهو منطفئ، لأنه مؤمن بأن شعاعك سينعكس عليه ويمده بالأمل، حينما تلقاه تعود وبك راحة ما كانت قبل دقيقة وأنت مع نفسك من دونه، يسامح ويغفر، أو بالأحرى لا يجد داعياً للمسامحة، فهو يعرفك عن ظهر قلب، لا يجعلك تبرر تصرفاتك له، ولا يحملك عبئ هذه الصداقة، يفهمك ويتفهمك، ويجد لك الأعذار قبل أن يحكم، بل هو من لا يحكم ولا يكسبك صفات سيئة لمجرد أنك تصرفت في أحد المواقف بعكس قناعاته ومبادئه.
كن هذا الصديق اللطيف على القلب والحياة لتحظى بمثله، وراجع نفسك إن أحدهم تغير، ربما كنت أنت السبب، وكان هذا الصديق الذي تتمنى ولكن مع غيرك لأنه كان الأفضل معه.