على الرغم من أننا لسنا متساويين في كم السعادة وحجمها ونوعها وطرق التعبير عنها، إلا أننا نجتمع على أن "جودة علاقاتنا" هو محور السعادة الرئيس الذي يملك السلطة والتأثير المباشر عليها.
قد تكون صفة الجودة واقترانها بالعلاقات غريباً بعض الشيء على مسامعنا ولم نعتد على استعمالها والتعمق في فهمها، وقد يجدها البعض سطحية، ولكن مهما ادعينا ومارسنا حب الوحدة وسهولة الاستغناء لا نستطيع أن نتجاهل أن جودة العلاقات بدرجاتها العالية المريحة أو الرديئة المنهكة هي مسبب للسعادة أو حتى الحزن بأشكاله.
فمثلاً علاقتنا بالأصدقاء وذكرياتنا وحكاياتهم المعادة والمضحكة في كل مرة، بالأقارب الذين يكفيهم أننا بخير بالأخ حافظ الأسرار، بزملاء العمل الطيبين والمدير المتفهم، بحارس المبنى البشوش، علاقتنا بالمقهى الذي يعرف قهوتنا المفضلة وتوقيتها المناسب.
علاقتنا بالأشياء الصغيرة والتفاصيل الرقيقة والوعود الوفية، علاقتنا بالأمطار الشابة، الليالي المتأخرة وأضواء الشوارع الصفراء، التي عجز الكثيرون عن تفسير حبنا لهم المبالغ به كما يصفونه.
علاقتنا المتذبذبة مع الشمس الطائشة والبحار والهواء، أطفال الشواطئ ورمالهم المتشكلة ومع الوجوه العابرة التي تجعل أيامنا تمضي أجمل، مع الكلمات البسيطة التي تُعبر عن حالنا، مع المشاعر المباغتة التي تشتت نبض قلوبنا وتشفيها من رتابة التعود، ومع مشاعرنا الأخرى المستقرة التي تحافظ على سلامتها وراحتها.
علاقتنا مع أنفسنا كيف نسعى إلى راحتها، نثق بها وباختياراتها نراعي رغباتها نصارحها بالحقيقة، نعلم ما الذي يمكنها التنازل عنه وما هو الشيء الذي يجعلها متزنة وما هو المفضل والأفضل لها.
العلاقات ذات الجودة الرديئة منهكة في تكلُفها لا فائدة منها ولا خير فيها، هي ما تجعلنا إما نجبر على فعل ما لا نرغب به وإما أن نتوقف عما كنا نود أن نكمله، هي ما نخرج منها منطفئين ومن نكون خلالها وبسببها تعساء.
هي تلك العلاقات التي تجعلنا نفضل الصمت على الحديث وحساب الكلمات ومعانيها، هي التي تجعلنا في حيرة نجلد أنفسنا على ذنب لم نرتكبه.
العلاقات وجودتها هي ما تغلف حياتنا وتحميها من أي تعاسة أو علة نفسية عابرة.. هي ما تشكل ارتباطنا في هذه الحياة وتحدد هيئة أيامنا كيف تنتهي وملامح صباحاتنا كيف تبدأ.