دقت الإدارة العامة لمكافحة المخدرات ناقوس الخطر... عندما بدا واضحاً إدمان طلبة المدارس عليها بشكل يثير القلق، فالمراهقون هم «صيد سهل» يمكن التأثير عليهم، ما يعني تحويل محيط المؤسسات التعليمية إلى فضاء لترويج المخدرات.
أعداد المدمنين ارتفعت والكل ينادي: من المسؤول؟
انتشار هذه الآفة بين الأبناء في تفاقم مستمر، وليس الأمر مجرد ثرثرة أو إشاعات عابرة، بل هو حقيقة يؤكدها مدير الإدارة العامة لمكافحة المخدرات في شرطة دبي، نائب رئيس اللجنة العليا للمكافحة في الإمارات، اللواء عبدالجليل مهدي العسماوي، وتابع: «تلقينا بلاغات من أسر ومعلمين حول وجود طلبة يتعاطون أدوية وعقاقير معينة، تمنحهم تأثيرات وهمية بالاسترخاء، وهذه الأدوية مخصصة لعلاج حالات الصرع، والآلام المزمنة الناتجة عن أمراض الأعصاب، فيما يتعاطاها طلبة لأغراض غير علاجية».
العسماوي يطالب بصوت عال من خلال «سيدتي نت» بضرورة تعاون المدارس مع أجهزة المكافحة للإبلاغ عنها فوراً بمجرد الاشتباه؛ لكن ما يثير حفيظته هو عزوف أغلب مدراء المدارس عن الإبلاغ خوفاً على سمعة المدرسة.
أمر حاول قمبر المازم «مدير ثانوية حلوان في الشارقة» الدفاع عنه، لكنه لم ينكر أن النسبة مرتفعة بين التلاميذ في سن المراهقة.
لا إحصائية
لكن المقدم الدكتور جمعة سلطان الشامسي، مدير إدارة التوعية والوقاية في الشرطة، كشف أن بعض المدارس تقوم بفصل الطالب المدمن أو تتستر عليه؛ هنا لابد من التشدد ضد مديري المدارس الذين يهملون في الإفصاح عن المدمنين.
لا يوجد إحصاء دقيق لضبط طلبة متورطين داخل المدارس، وتابع المقدم الدكتور الشامسي: «جاءتنا أم إلى الإدارة مع ابنها، وكل ما يشغل بالها أنها تدخل عليه فتجده يتحدث مع نفسه، وشكت أن يكون لدى ابنها مس شيطاني، حيث إن الابن الصغير كان يهلوس ببعض العبارات، وبالضغط عليه اعترف لها بأنه يتعاطى الحبوب المخدرة وحبوب الهلوسة، فقامت بإحضاره للإدارة لعلاجه».
لا يمكن الزج بالطالب في دار رعاية الأحداث؛ حتى لا تتفاقم المشكلة، ولا يمكن إدانة طالب في قضية مخدرات، وهو في سن صغيرة، وعادة ما تتم دراسة حالته، ومن ثم متابعته اجتماعياً، واستدعاء ولي أمره، وكتابة تعهد عليه، فالأمر كله بيد الأسر..
راسبون
الراسبون دراسياً هم الذين يتفننون بوسائل وحيل عدة في الحصول على الأقراص، سواء بوصفات طبية من العيادات النفسية أو من دونها، حسب تأكيد خليل البريمي، مدير دار التربية الاجتماعية للفتيان، ويتابع: «تم إيداع الكثير منهم في الدار على ذمة قضايا تعاطي أقراص مخدرة كالترامادول، وهذه الظاهرة تنتشر بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 -18 عاماً، فهم يوزعون الأقراص على بعضهم بعضاً».
لكن وكيل مدرسة، تحتفظ «سيدتي نت» باسمه، كشف أن الإدمان لم يقتصر على الراسبين، وكان ذهوله فائقاً، عندما اكتشف أن أحد المتفوقين أدمن على المخدرات.
أسر غائبة
حسب دراسة أجرتها شرطة دبي، أكدت فيها أن 90% من الآباء العرب وخاصة الخليجيين يرون أبناءهم 7 دقائق فقط في اليوم، وأن بعضهم لا يعرفون السنوات الدراسية للأبناء.
هذا ما أدهشنا به العقيد الدكتور جاسم خليل ميرزا، مدير إدارة التوعية بالإدارة العامة لخدمة المجتمع في شرطة دبي، الذيد روى لنا العقيد أن شرطة دبي ساعدت قبل عام مدير مدرسة بعدما اشتكى أن حوالي 25 طالباً في المدرسة من الراسبين، وذوي السلوك المنحرف، ومنهم من يسرق ويكذب ويخرب الممتلكات العامة، وأن آخرين يدمنون على المخدرات، يستدرك: «قابلنا الطلبة، وتبين أن جميعهم يعيشون حياة أسرية غير مستقرة، ثم قابلنا الأمهات، وتبين أنهن بحاجة إلى تأهيل وتوعية».
غياب الأسر ظاهرة يؤيدها الدكتور خالد المري، رئيس مجلس أولياء أمور الطلبة في الشارقة، فلا إشراف ولا مساءلة منهم، يتابع: «هم لا ينتبهون إلى رفقاء السوء، حيث الصاحب ساحب».
وضع مقلق
لم يعد تعاطي الطلاب للمخدرات بابتكار مزج الأدوية العادية سراً، خصوصاً مع تنبيهات الشرطة، وهذا حقاً هو الخوف الحقيقي بالأهالي، ومنهم سهاد محمد علي، موظفة، وهي أم لطالب في مدرسة خاصة بالشارقة، حيث أبدت قلقها على ابنها الذي لا يتجاوز الخامسة عشرة من العمر، تتابع: «مصدر خوفي هو انتشار خبر عن طالب في صفه تم ضبطه يروج بعض حبوب المخدرات، وبالتحقيق معه تكشفت الحقيقة بأن والده هو من جنده للعمل في محيط مدرسته».
أما ختام سليم الأمير، ربة منزل، فلديها توأمان، طالب وطالبة، وكلاهما في الثاني عشر... وهي دائمة الشعور بالخوف عليهما، فقد وصلت المخدرات للفتيات أيضاً، وهو ما تعلنه الشرطة حالياً.
على عاتق من؟
الطالب عبادة سعيد، من مدرسة حكومية في الشارقة، يعترف بأن بعض الطلاب يوزعون الأدوية، ويرغبون بها رفقاءهم، وقد عبّر عن خشيته منها، وهم ينشرونها تحديداً في فترة الامتحانات؛ بدعوى أنها تنشط الذاكرة، ويتابع: «كثير من زملائنا وقعوا في براثن الإدمان بعد أن تم جرهم بدعوة أن الحبوب تساعد على السهر والمذاكرة».
أما الطالب علاء محمد مبارك فينظر إلى رفاقه الذين يعتبرون أداة كسب سريعة للمروجين، وبصراحة قالها: «لابد من سحب عشرات الطلبة، فهم من جهة يساعدون المروج، ومن جهة أخرى ورطوا الكثير من زملائهم، حتى علامات الإدمان لم تكتشف إلا في مرحلة متأخرة».
يتخلص الطلاب من الإدمان في مستشفى الأمل في دبي، والمركز الوطني للتأهيل في أبوظبي، ومركز التأهيل الخاص في إمارة الشارقة، حيث تبذل إدارة التوعية والوقاية بشرطة دبي الرعاية الكاملة للمدمنين وأسرهم بدعم من المؤسسات المدنية المجتمعية... كجمعية بيت الخير ومصرف دبي.