هذا مرادي من إخفاء تاريخ ميلادي!

أحمد العرفج
د. أحمد  العرفج
د. أحمد  العرفج

مع تداخل الناس واختلاطهم في مواقع التواصل الاجتماعي، أصبحت أسئلة كثيرة تأتيني عن البرج الذي ولدت فيه، والغريب أن أكثر هذه الأسئلة تأتي من السيدات اللواتي يغرمن ويتفنن في هذا العلم.
ومنذ زمن غير بعيد؛ كنت دائماً ما أقع في حرج، حِين يتسلط علي أحد الأصدقاء، أو الأعداء، بالسؤال عن تاريخ ميلادي، وآخرهم صديق عزيز أظهر جدية للاحتفاء بتلك الذكرى سنوياً، حتى بعد مماتي -هداه الله-، لإحياء ذكري كما يزعم بمحبتي، جزاه الله خيراً.
المهم أن هذا الصديق باغتني بالسؤال قائلاً: متى يحتفي "المندي المنتظر" بذكرى ميلاده؟! فأمضينا ساعات وساعات ونحن نحاول فك أحجية معقدة، للوصول إلى تاريخ تقريبي، حتى أصابه النعاس..!
هذا الصديق لم يكن الأول الذي يدخل معي في هذه الدوامة؛ حيث تكررت معاناتي مع أصدقاء غيره، سألوا بحسن نية رغبة منهم في مهاداتي، لمعرفتهم الكبيرة بأنني عاشق للهدايا، محب للعطايا..!
أما إذا كان السائل من الأعداء، فإنني ألبس ثوب الصح على الفور، قائلا له: (هداك الله! أنا لا أحتفل إلا بعيدي الأضحى والفطر، أما يوم ميلادي فليس يوماً ثامنة ليختلف عن الأيام الأخرى)..!
وأنا طبعاً لس جاداً فيما أقول، لكنها حِيلة أو "تصريفة" للعدو، الذي يريد فقط أن يكشف عمري، ليفضحني بين الناس قائلاً: شاهدوا هذا الرجل الذي يبدو بحجم الفيل، لكن عقله بحجم عقل العصفور..!
والحقيقة أن كثرة أسئلة الناس عن تاريخ ميلادي لم تكن تدخل في دائرة الجد، حتى وصل للصف الثالث المتوسط، حِينها أجبرتني إدارة المدرسة على استخراج حفيظة نفوس، الأمر الذي يتطلب إيجاد شهادة ميلاد، لم أحصل عليها طبعاً، لأنني ولدت في منزل طيني بسيط، في وسط بريدة، لذلك كان لزاماً على إدارة الأحوال المدنية أن تبحث لي عن حل، لتحديد السنة التقريبية الميلادي على الأقل..!
سألت والدتي -رحمها الله- عن يوم مولدي، فقالت: كنت مشغولة بالآلام، ولا أتذكر اليوم أو الشهر أو السنة من شدة الألم، لأنك أتيت إلى الدنيا "مربرباً"، ورأسك الكبير جعل الولادة أشبه ما تكون بولادة التوائم..! لكنها أوصتني بالذهاب إلى خالتي منيرة، رحمها الله، فذهبت إليها وكلي أمل بأنني سأقبض على الدليل القاطع ليوم مولدي، فقالت: أنت أكبر من ابنتي فلانة بثلاث سنوات..!
في تلك اللحظة تركت تاريخ ميلادي لأبدأ البحث عن تاريخ ميلاد فلانة، فسألتها: ومتى ولدت فلانة؟ فقالت: بعد سنة الغرقى بسبع سنوات، فقلت: ومتى كانت سنة الغرقى؟ فقالت: بعد سنة الجدري بعشر سنوات، فقلت: ومتى كانت سنة الجدري؟ فقالت: بعد وفاة خالك عبدالعزيز بأربع سنوات، فقلت: ومتى توفي خالي عبد العزيز؟ فقالت: بعد عودة جدك من العراق في رحلة العقيلات بثلاث سنوات..!
وهكذا دخلت في دائرة كبيرة من التواريخ والأسماء، حتى أدركني الصداع، واستبد بي الشتات والضياع، فما كان من إدارة الأحوال في بريدة إلا أن أحالتني إلى لجنة السنين في المستشفى، وكان ذلك، حِين جلست بين طبيبتين وطبيب من مصر، حيث مَدّ كل منهم يده إلى شفتي السفلى وأنزلها، ليعرف تاريخ ميلادي من أسناني، كما يفعل ذلك لأي خروف، وقد اختلف الأطباء في تاريخ ميلادي في ثلاث سنين، فاعتمدت الأحوال السنة الوسطى بين هذه السنين، وتم تسجيل ميلادي في 1/7/1384هـ، مع العلم أن 1/7 هذا مسجل لمعظم أبناء جيلي، والسر لا يعلمه إلا الله وراء اختياره..!

في النهاية أقول:
إني محظوظ بهذا التاريخ، لأنني ألعب على أصدقائي دائماً، فإذا سألوني: متى تحل ذكرى میلادك؟ أقول لهم إني مجهول التاريخ، لذلك من الممكن أن يعدّوني أولد كل يوم، وأستحق هدية كل يوم، وأتقبل التهاني أيضاً كل يوم، ومن أراد التأريخ لذكرى ميلادي من تاريخ نشر هذا المقال، فليسجل ذلك في مفكرته الخاصة، ليتذكر هديتي كل عام في مثل هذا اليوم..!!!