يعيش قطاع السيارات اليوم نقلة ثورية لم يشهد لها مثيل منذ أن بدأ هنري فورد بتشغيل أول خط إنتاج للسيارات 1913. وذلك بفضل السيارات الكهربائية التي من المتوقع أن تطغى مبيعاتها على سيارات البنزين والديزل في وقت قياسي. وهذا ما يتوقعه بكل تأكيد كبار صناع السيارات، حيث تعتزم جاكوار بيع السيارات الكهربائية فقط ابتداءً من عام 2025 وفولفو ابتداءً من عام 2030. وخلال الأسابيع الماضية، صرحت شركة لوتس البريطانية المتخصصة في تصنيع السيارات الرياضية عن قرارها ببيع السيارات الكهربائية ابتداءً من عام 2028.
لعل رغبة العديد من الحكومات حول العالم بإيقاف صناعة وبيع سيارات الاحتراق الداخلي العاملة بالوقود الأحفوري هي أحد الأسباب الرئيسة التي تسرع من عملية التحول نحو السيارات الكهربائية. ولكن هناك أيضاً التطور التقني الثوري الذي سرع من نهاية عصر محركات الاحتراق الداخلي.
ويمكن تشبيه ما يحدث اليوم في قطاع السيارات بالثورة الرقمية التي عاشها العالم مع تطور استخدامنا واعتمادنا على الإنترنت منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا، حيث أحدث الإنترنت في تلك الفترة ضجة كبيرة حول قدرته على ربط أجهزة الكمبيوتر مع بعضها. لنرى بعد ذلك ظهور العديد من الشركات التي حققت نقلات نوعية في استخدام الإنترنت، مثل أمازون وغوغل وغيرها من الشركات التي فرضت وجودها في عالم الإنترنت بشكل يتفوق على سابقاتها أمثال ألتافيستا وياهو وغيرها.
وعند النظر إلى مسار نمو استخدام الإنترنت، نجد أنه يشبه مسار نمو استخدام مختلف تقنيات الطاقة التشغيلية التي شهدها قطاع السيارات، سواء على صعيد استخدام محركات الاحتراق الداخلي، أو المحركات البخارية، وهذا ما سيحصل مع السيارات الكهربائية، التي تعود بدايات محاولة استخدامها إلى ثلاثينات القرن التاسع عشر حين بدأ المخترع الأسكتلندي روبرت أندرسون بتطوير أول سيارة كهربائية. لكن المنافسة في هذا المجال لم تحتدم إلا خلال السنوات القليلة الماضية بفضل تطور تقنياتها وانخفاض أسعارها.
تحدي البطارية
فمنذ حوالي 20 عاماً، عملت جنرال موتورز على تطوير سيارة EV1 الكهربائية بتكلفة بلغت مليار دولار، ورغم ذلك لم تحقق أي نجاح حينها، حيث كان يبلغ مدى الشحنة الواحدة 50 ميلاً في أفضل الأحوال. لكن تغيرت العديد من الأمور في قطاع السيارات الكهربائية منذ ذلك الحين. وظهرت العديد من طرازات السيارات الكهربائية، أبرزها سيارة تيسلا 3 3 القادرة على قطع 300 ميل بالشحنة الواحدة، كما يمكنها الانطلاق من صفر إلى 60 ميل في الساعة في 3.1 ثانية. فضلاً عن مواصفاتها التقنية الأخرى. فقطاع السيارات الكهربائية يشهد اليوم نقلة ثورية في تقنيات المحركات الكهربائية وأنظمة الكمبيوتر التي تتحكم فيها وأنظمة الشحن وتصميمها العصري؛ والأهم من ذلك، تقنيات البطاريات التي تستخدمها.
ويبقى التحول الأبرز هو انخفاض أسعارها. فمنذ عشر سنوات، كانت تبلغ تكلف الكيلوواط الساعي لبطاريتها 1000 دولار أمريكي، أما تكلفته الآن لا تتجاوز 100 دولار. ما ساعد على خفض أسعار السيارات الكهربائية، وجعلها مرغوبة أكثر مقارنة مع السيارات ذات محرك الاحتراق الداخلي. وعندما نجري مقارنة ما بين تكاليف تشغيل السيارات الكهربائية والسيارات العاملة بالوقود الأحفوري وما تحتاجه من خدمات صيانة، سنجد أن تكاليف استخدام السيارات الكهربائية أقل بكثير من تلك العاملة بالبنزين والديزل، خاصة مع تطور تقنيات البطاريات المستخدمة فيها، التي تشهد تحسناً ملحوظاً لناحية المسافة التي يمكن للسيارة الكهربائية قطعها بالشحنة الواحدة. خلال العام الماضي، كشفت شركة CATL الصينية، الرائدة في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، عن أول بطارية في العالم قادرة على تشغيل السيارة الكهربائية لمسافة مليون ميل.
مرحلة التنافسية
ويتوقع الخبراء أنه بمجرد أن تبلغ السيارات الكهربائية مرحلة التنافسية من حيث التكلفة مع سيارات الوقود الأحفوري، فالكفة سترجح لصالح السيارات الكهربائية. وهذا ما يراهن عليه إيلون ماسك، مؤسس شركة تسلا. والذي أخبر المستثمرين الشهر الماضي أن سيارة تسلا 3 أصبحت واحدة من أكثر سيارات السيدان الفاخرة مبيعاً في العالم. ويتوقع ماسك أن الطراز الجديد والأرخص من تسلا - Model Y – سيكون الأكثر مبيعاً من أي طراز آخر. وذكر ماسك في اجتماعه مع المستثمرين: "لقد شهدنا تحولاً ملحوظاً في نظرة العملاء للسيارات الكهربائية، حيث ارتفعت مستويات الطلب على منتجاتنا أكثر من أي وقت مضى".
فإذن، ما هي إلا مسألة وقت حتى تهيمن السيارات الكهربائية على عرش مبيعات قطاع السيارات. وهذا ما تدركه جيداً جميع شركات تصنيع السيارات الكبرى، حيث تعمل معظم هذه الشركات على تطوير منتجاتها لتصبح كهربائية وقادرة على المنافسة في هذا القطاع الآخذ بالنمو بوتيرة متسارعة، وخاصة خلال السنوات العشر الأخيرة.