أمهاتنا وجداتنا كن فنانات بحق، ولكن فنانات مغمورات، لم تتح لهن الشهرة، ولم تعبر سيرتهن الآفاق، فقد سهرن وتعبن، ونسجن بأصابعهن حكايات وطن ومجتمع، في الفرح والحزن، في العمل والراحة، حكين كل القصص التي مررن بها، حتى قصص الحب والعشق الصامتة والخائفة، والتي غالباً ما تنتهي كما بدأت. لقد قمن بحياكتها فوق الأقمشة، وبأصابع من حرير وبخيوط من حرير.
معرض صور
أسامة سلوادي، هو مصور شاب في الأربعين من عمره، أصيب قبل سنوات برصاصة غادرة في ظهره حولته لمقعد على كرسي متحرك، ولكنه لم يفقد القدرة على التقاط الجمال، فعينه ترصد كل جميل وكل ما لا نراه، ومن ذلك الثوب الفلسطيني الذي تزينت به المرأة على مر العقود، والذي يختلف من مدينة لأخرى ومن قرية لأخرى، فيكفي أن ترى امرأة ترتدي ثوباً معيناً، حتى تحدد المدينة أو القرية التي تنحدر منها، وهكذا فقد جمع «أسامة سلوادي» حكايات المدن والقرى الفلسطينية من فوق الأثواب في 45 صورة ازدان بها معرضه الذي حمل اسم «ملكات الحرير». والذي استضافته «غاليري بنك» في العاصمة الأردنية عمان، وهو حصيلة تعاون بين المعهد الثقافي الفرنسي ودارة التصوير الأردنية، وقد قامت إدارة المعرض بتوزيع كتيب باللوحات المعروضة على الجمهور مجاناً؛ للتعريف بالفنان ومحتوى كل صورة.
لماذا الثوب الفلسطيني؟
يقول المصور أسامة سلوادي: إنه قد هاله ما يتعرض له التراث الفلسطيني، وبالتالي التراث العربي من تشويه وسرقة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، ونسب ما حرص عليه الآباء والأجداد لأنفسهم، لدرجة أن سرقوا كل شيء يمثل الهوية الفلسطينية العربية بدءاً من الأرض، حتى الأكلات الفلسطينية، والأزياء الفلسطينية، لدرجة أن ترتدي مضيفات طيران شركة إسرائيلية الثوب الفلسطيني على أنه من تصميم إسرائيلي بحت، ولدرجة أن تقدم أكلات شعبية فلسطينية على هذه الطائرات بصفتها أكلاتهم، مما ولد لديه الغيرة على هذا الموروث الموشك على الضياع.
عامان من العمل
استمر أسامة بالعمل لمدة عامين في جمع كل ما يخص الثوب الفلسطيني، وجمع الحكايات الخاصة به من أفواه العجائز الفلسطينيات الماجدات الصابرات، وقرأ كل الكتب التي تحدثت عنه، وشاهد الأفلام التي وثَّقت للتراث الفلسطيني، ولينتج في النهاية هذه الصور الحزينة لتراث يحتضر في دفتر، سيبقى حتماً على مر التاريخ، ولا يخفي أمله في إقامة معارض قادمة؛ لتوثيق التراث الفلسطيني في جوانب أخرى غير الأزياء النسائية الفلسطينية.