هي ابنة الشارقة. وُلدت وترعرعت في مدارس الإمارة وفي جامعتها، كبرت وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من الحياة العامة فيها. كان قلب ورئة بيتهم مكتبة وكتباً، حيث لعبت هي وأختها الكبرى دور "لصوص الكتب"، وأخذتا كتب أبيها! وأنشأتا رفاً صغيراً من الكتب في غرفتهما وقالتا لأمهما وأبيهما لدينا مكتبة استعيروا منها كتباً— كان والدها يبتسم ابتسامة صغيرة، لأنه يتعرف على كتبه ولكنه كان يصمت ويحفظ سرنا الصغير، بعد هذا الوصف الجميل عن نفسها، تابعنا لقاءنا مع إيمان بوشليبي، مدير إدارة مكتبات الشارقة.
حوار: لينا الحوراني
إيمان بوشليبي
كانت إيمان تفكر أحياناً، هل كانت البداية كتاباً؟ وترد: "البداية كانت أبي. قبل أن أكون لصة كتب كنت أتلصص عليه لأني كنت أراه دائماً يكتب، ولا أعلم ماذا يكتب، وكان يبدو لي أنه لا ينتهي من الكتابة ويخبئ ورقاً في درجه وفي حقيبته. ذات يوم قادني الفضول إلى الحقيبة والورق وكانت مسرحية، معقدة في حوارها ولم أفهم عم تتحدث، طبيعي أن تربك طفلة. ولكن كنت فضولية ومنجذبة إلى هذه الحالة الجميلة، هناك كانت البداية مع الأدب والثقافة وعالم الكتب".
"هذا غيرني"
في عصر يبتعد فيه الكثيرون عن جاذبية الكلمات المطبوعة، قد يتساءل المرء، كيف استمر شغف القراءة لدى البعض؟ بالنسبة لإيمان، الجواب يكمن في فضول لا يشبع. كما تقول، وتتابع: "في وقت مبكر، كان افتتاني متجذراً في عالم الأدب. ولكن مع الوقت، تطورت اهتماماتي وتوسعت، ووصلت إلى العوالم المعقدة لفيزياء الكم، ونظريات أينشتاين، وحتى النسيج الواسع لتاريخ العالم. الشعر واللغات المتنوعة، وربما ما زاد من حبي للكتب هو الرفقة التي أحتفظ بها، كنت محاطة بأصدقاء من محبي الكتب، الذين تبادلت معهم عدداً لا يُحصى من الكتب والمناقشات الحماسية. هناك متعة فريدة من نوعها في تلقي توصية لكتاب من أحد الأصدقاء، عندما يخبرك أحدهم أن "هذا غيرني" و"فيه إجابة خطيرة لسؤال لطالما أردت إجابته". وهكذا، في عالم مليء بالمشتتات العابرة، لم تتضاءل رحلتي عبر الصفحات أبداً.
في عالم مليء بالمشتتات العابرة، لم تتضاءل رحلتي عبر الصفحات أبداً.
عشر لغات
تدرك إيمان وفريقها، أهمية مواكبة التطور والحصول عليها في جميع الأوقات الرقمي لتعزيز تلبية احتياجات ومتطلبات المجتمع بشكل عام. تستدرك إيمان: "واكبنا مشهد الازدهار في عصر شهد تغييرات تكنولوجية كبيرة وأثبتت مكتباتنا أن المرونة والقدرة على التكيف ووفرة المصادر والمعلومات عوامل تساعد المكتبات على مواصلة تعزيز التعليم والتطور المهني وتوفير الخدمات التي تتجاوز مجرد إعارة الكتب. وفي هذا العصر الرقمي أصبحت مكتبات الشارقة العامة قادرة على الوصول إلى المجتمعات في المناطق البعيدة بأكثر من عشر لغات للقراء بجميع فئاتهم العمرية في جميع أنحاء العالم وشملت تلك المصادر 21 ألف دراسة علمية و3000 فيديو في جميع التخصصات و160 ألف كتاب إلكتروني و5 ماليين رسالة ماجستير وأطروحة دكتوراة إضافة إلى مجموعة كبيرة من الوثائق والمخطوطات النادرة والكتب الصوتية.
في سنغافورة.. شهادة على التزام الأمة
مكتبات الشارقة من أشد المؤيدين لأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة. وتتوافق مبادراتها، المحلية والدولية على حد سواء، مع هذه الأهداف، وتدعم الوصول الشامل إلى المعلومات، وتعزيز التعلم مدى الحياة، وتعزيز الابتكار. وهي من أهم مشاريعهم، تستطرد بوشليبي: "هناك مشاريع أخرى نحرص أن نكون جزءاً منها مثل: الاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات المكتبات (الإفلا)، و المؤتمر السنوي لجمعية المكتبات وغيرها، كما أطلقنا مبادرة العضوية الذكية، ما أدى إلى ربط القراء حول العالم بطريقة غير مسبوقة. وعملنا على مشاريع من شأنها بناء الجسور اللغوية، وقمنا بتكوين اتصالات مع بلدان أخرى، مما يجسد حقاً جوهر المكتبة العالمية".
اعتبرت بوشليبي أن سنغافورة دولة لديها أفق مذهل وسمة مميزة للابتكار والتفكير المستقبلي في مجال الإدارة ولكنها تقف حقاً في طليعة تطورات المكتبات واتجاهاتها، النهج الذي تتبعه الدولة المدينة تجاه المكتبات ليس أقل من كونه ملهماً، وقد شبهت انسجامها الشديد، مع نسيج البلاد الثقافي بالآسر، وهي شهادة على التزام الأمة بالاحتفال بهويتها المتنوعة. علاوة على ذلك، تدرك سنغافورة أهمية التعلم المستمر، وخاصة بالنسبة لأولئك الذين هم أمناء المعرفة - أمناء المكتبات لدينا. من خلال التأكيد على التطوير المهني من خلال الدورات وورش العمل المكثفة والتعرف على اتجاهات المكتبات الدولية، تضمن سنغافورة بقاء أمناء مكتباتها في طليعة هذا المجال، ومجهزين بأحدث الأفكار والخبرات.
تقول بوشليبي: "مشهد المكتبات في سنغافورة يوازن بشكل مثالي بين التقاليد والابتكار. مؤسساتهم ليست مجرد مستودعات للكتب؛ إنها مراكز ديناميكية تدعم التعلم والمجتمع والمشاركة الثقافية. وبينما أفكر في نجاح سنغافورة في هذا المجال، يغمرني الإعجاب والرغبة العميقة في غرس بعض من أفضل ممارساتهم في أنظمة مكتباتنا الخاصة. في عالم تنتشر فيه المعلومات في كل مكان، تثبت مكتبات سنغافورة أن المكتبة التقليدية يمكن أن تتطور وتبتكر وتظل ركيزة أساسية للمجتمع".
عهد عاطفي
إن علاقة دولة الإمارات العربية المتحدة بالقراءة، أكثر من مجرد كلمات على الورق؛ إنه نسيج معقد من العاطفة والمعرفة والثقافة. بالنسبة للناس في الإمارات، يدركون قدرتها على رعاية العقول، وتشكيل وجهات النظر، ومواجهة التعقيدات. تتابع إيمان: "لقد شهدت بنفسي الروابط العاطفية العميقة التي تربط الناس بالكتب. لنأخذ على سبيل المثال زميلاً يشتري كتاباً فحسب، بل يسافر معه ويجد طريقه لحفظ هذا الكتاب من خلال تجليده كما لو كان يحفظه لأبنائه. هذه ليست مجرد قراءة؛ إنه عهد عاطفي مع معها".
تعتبر إيمان أن تشجيع الناس على القراءة هو مزيج من الإبداع والبراعة في التكنولوجيا والفهم العميق للحساسيات الحديثة (Modern Sensibilities). وهناك وسائل كثيرة للقراءة مثل "القصص المرئية"، لكن برأيها أن الحوار لا يكتمل إلا بالكتاب الأصلي.
وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي، رفيقتنا الرقمية اليومية. حيث يمكن أن نروّج للقراءة من خلال ملخصات كتب صغيرة الحجم، برأي إيمان، التي تنصح جميع الناس أن يكونوا سفراء للقراءة في مجتمعهم، تعلّق: "اهدِ كتباً. أشعل المحادثات بالقصص. في النهاية، يتعلق الأمر بإضرام شعلة الفضول والعجب".
تعرّفي إلى المزيد: تخصيص 2.5 مليون درهم لتزويد مكتبات الشارقة بأحدث إصدارات "مهرجان الطفل القرائي".
أدب الأطفال
تجد مدير إدارة مكتبات الشارقة، أن التعامل مع تعقيدات أدب الأطفال وانتشاره لا يقتصر فقط على صياغة أدب جذاب؛ بل يتعلق الأمر بضمان عثور ووصول هذه القصص لجمهورها الصحيح. وبرايها أن الأطفال، على الرغم من انفتاحهم على التطورات الرقمية، فهم غالباً ما يعتزون بالتجربة اللمسية المتمثلة في تقليب الكتب. في حين أن جاذبية القراءة المفعمة بالألعاب لا يمكن إنكارها، فإنه يصبح من الضروري تحقيق التوازن، وضمان عدم المساس بالنمو الشامل للطفل بسبب الاعتماد المفرط على التكنولوجيا، لكنها تجد أن هناك نقصاً في الشخصيات والقصص التي تعكس التجارب المتنوعة للأطفال من خلفيات عرقية أو ثقافية أو اجتماعية واقتصادية مختلفة. والتصدي لهذه التحديات ليس مهمة فردية، بل هو جهد جماعي. يتطلب تعاوناً متماسكاً بين المؤلفين والناشرين والمعلمين وصانعي السياسات والمجتمع الأوسع. تعلّق: "الهدف واضح: صياغة ونشر أدب الأطفال الذي يكون ذا معنى ويمكن الوصول إليه لكل طفل، بغض النظر عن خلفيته".
رؤية كتاب، يُساء التعامل معه. وقلب الصفحة بقسوة يمكن أن يبدو وكأنه إساءة لجميع أولئك الذين يقدسون أوعية المعرفة. هو ما يبعث الحزن في نفس إيمان التي تتابع: "تبهجني سعادة طفل عندما يكتشف قصة جديدة! والعمل هنا يتجاوز فكرة مجرد وظيفة. إنها رحلة من الفكر والعاطفة البشرية. هذه الرحلة توفر إحساساً بالسعادة لا مثيل له حقاً".
لمحة عن مكتبات الشارقة
1 - تشمل مكتبات الشارقة ستة فروع تضم أكثر من 6 ملايين مصدر معرفي إلكتروني، وهي نسبة مرتفعة قياساً إلى كبرى المكتبات العالمية.
2 - تستقبل مكتبات الشارقة العامة أكثر من 200 ألف زائر كل عام وتضم قائمة أعضائها 23.494 قارئاً مسجلاً أجروا خلال أقل من شهرين 32114 ألف عملية في قاعدة بياناتها.
3 - تتوزع مصادرها المعرفية على 33 لغة عالمية، تستجيب لتنوع ثقافات ّ المقيمين في الإمارة.
4 - توفر ما يقرب من 742 ألف مادة أو وعاء معرفياً، من الكتب والمراجع في مختلف الفنون والعلوم والمعارف، كما تضم 15 ألف دورية.
5 – تتوزع فروعها في كل من الذيد، ودبا الحصن، وكلباء، وخورفكان، ووادي الحلو، التي تأسست وفقاً لتوزيع وأعداد سكان الإمارة..
6 –تنظم في مختلف الفروع التابعة لها أكثر من 500 فعالية ونشاط يستفيد منها أفراد المجتمع كل عام، وتشمل عقد منتديات وتنظم لقاءات وورش عمل، منها ما تخصصه للشباب من الخريجين الجدد والطلاب..
7 - حتى عام 2022 زارت المكتبة 54.981 فتاة. في عمر الشباب
ملاحظة من «سيدتي نت»: قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.
