يبدأ تكوين الدماغ عند الجنين في مرحلة مبكرة من الحمل؛ حيث إنه بحلول نهاية الأسبوع السابع من فترة الحمل؛ أيْ بعد حوالي خمسة أسابيع من الحمل الفعلي، يكون دماغ الطفل ووجهه هما مركزا النموّ، بمعنى أن نموّ الجنين يبدأ من هذين الجزئين. ويستمر نموّ الدماغ حتى نهاية الحمل؛ أيْ حتى الشهر التاسع. وبعد الولادة يكون الدماغ هو مركز التحكم في الجسم خلال العامين الأولين من عمر الطفل؛ فينمو الدماغ بسرعة كبيرة، وتتضاعف كتلة الدماغ ثلاث مرات، ويبدأ الطفل في اكتشاف البيئة من حوله والتفاعل معها. ولذلك يمكن تعزيز نموّ الدماغ الصحي قبل سن الخامسة؛ أيْ قبل سن المدرسة والتعليم الفعلي في الروضة مثلاً، وهناك عدة طرق لتعزيز نموّ الدماغ، من بينها الاهتمام بتغذيته.
يعني تعزيز نموّ الدماغ، أن تنمو قدرات ومهارات الطفل وتتطور بشكل طبيعي يتماشى مع عمره وحسب معدلات النموّ المعروفة عالمياً؛ بحيث لا يعاني الطفل من تأخُّر في قدراته العقلية، والتي ترتبط أيضاً بقدراته الحركية والإدراكية، مثل: التواصل مع الآخرين والتفاعل معهم. ولذلك فقد التقت «سيدتي وطفلك» وفي حديث خاص بها، باختصاصية التغذية العلاجية الدكتورة لمياء عزالدين؛ حيث أشارت إلى أغذية هامة لا تستغنين عنها لتغذية مخ طفلك وتنشيطه وتقوية ذاكرته وتركيزه، كالآتي:
الأفوكادو
تعَد ثمار الأفوكادو من الثمار التي تقدَّم نيّئة من دون حاجة للطبخ، على وجبات طعام الكبار والصغار، ولها اسم آخر هو الزِبدِيَّة وهي ثمرة مكسيكية الأصل، أو من أمريكا اللاتينية. ونظراً لاحتوائها على نسبة كبيرة من الفولات؛ فقد بيّنت دراسة حديثة أُجريت في جامعة بازل في سويسرا في العام 2023، أن ثمار الأفوكادو مفيدة للدماغ والصحة العقلية للإنسان، وذلك بناءً على 207 دراسات قامت بها الجامعة؛ فثمار الأفوكادو الغنية بالفولات (فيتامين ب 9) وهو مفيد للصحة العقلية بشكل خاص، وخاصة للأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب، ويقدَّم لهم على شكل مكمل غذائي حسب وصفة الطبيب.
أما بالنسبة للأطفال فهو من الأغذية التي تدعم صحة الدماغ بسبب غناه بالفولات، وخاصة في حال تقديمه للطفل في مرحلة مبكرة من عمره، ولذلك يجب أن تتضمن وجبات الطفل شرائح من الأفوكادو مثلاً في الصباح، أو طبقاً من سلطة الأفوكادو ظهراً بعد العودة من المدرسة والاستعداد لحل الواجبات المدرسية.
قد يهمكِ أيضاً: متى تتكون ذاكرة الطفل؟ وهل للأغذية دور في تنميتها؟
المكسرات
أثبتت الدراسات العلمية أن المكسرات النيّئة بكل أنواعها، توصف لتحسين مؤشرات صحة القلب مثل: انخفاض الكوليسترول، وصحة الشرايين، وكفاءة الصمامات. ويرتبط الاستهلاك المنتظم للمكسرات بانخفاض خطر القدرات العقلية لدى كبار السن والمعروفة بالخَرَف. ولذلك فالمكسرات وخاصة عين الجمل "الجوز" تلعب دوراً كبيراً في نموّ دماغ الطفل في عمر ما قبل المدرسة، وهي المرحلة العمرية التي أشارت الدراسات إلى أن تعزيز نمو الدماغ يحدث فيها بصورة أفضل، ويستمر مع الطفل مدى الحياة. وفي هذه المرحلة العمرية يمكن أن نضيف أغذية تساعد على هذه العملية الضرورية للطفل، ولذلك وقع الاختيار على المكسرات بأنواعها.
تحتوي المكسرات التي يجب تقديم حفنة منها بحجم قبضة يد الطفل يومياً ولا يُحبّذ تحميصها وتمليحها، على مغذيات هامة؛ فمثلاً يحتوي اللوز والجوز والكاجو على دهون صحية، وكذلك على نسبة جيدة من فيتامين هـ، والكالسيوم، والحديد، والزنك، والمغنيسيوم، والفولات. وهذه العناصر يمكن أن تدعم الوظائف الفسيولوجية للطفل، مثل: نموّ الدماغ والعين والأعصاب المرتبطة بهما.
الأسماك الدهنية
تُصنّف الأسماك الدهنية المستخرجة من أعماق البحار شديدة البرودة، ضمن أهم أصناف الأسماك التي تعزز نموّ الدماغ وتحسّن وظائفه؛ حيث تفيد في نموّ وتطوّر الأنسجة العصبية. وفيما توصف الأسماك الدهنية لتقليل أعراض الخَرَف والزهايمر عند المسنين؛ حيث أُجريت دراسات على المسنين بعد سن الستين، وتبين أن الشريحة التي تناولت أحماضاً دهنية مستخلصة من هذه الأسماك ولمدة ستة أشهر، قد تراجعت لديهم أعراض فقدان الذاكرة بنسبة كبيرة. فالأسماك الدهنية مفيدة لذاكرة الصغار أيضاً وبشكل كبير. وتشمل الأسماك الدهنية المعروفة في المطبخ العربي: السلمون والتروتة والتونة والرنجة والسردين، وهي مأكولات بحرية غنية بأحماض أوميجا 3 الدهنية، وهذه الأحماض الدهنية ضرورية للتعلُّم وتقوية الذاكرة. ويرتبط عدم الحصول على ما يكفي من أوميجا 3 بضعف التعلُّم عند الطفل. ويمكن للأم أن تقدم شرائح من السردين المعلب مثلاً وهو أرخص أنواع الأسماك الدهنية وأكثرها انتشاراً للطفل كوجبة مغذية مع شرائح التوست وطبقاً من السلطة. وفي حال توفُّر الأنواع الأخرى من الأسماك الدهنية؛ فيفضَّل أن تقدَّم مشوية للطفل وليست مقلية؛ لكي تظل محتفظة بالدهون المفيدة والتي قد تذوب في زيت القلي ويخسرها الطفل في وجبته.
ويمكن أيضاً تقديم السمك الدهني كوجبة للطفل قبل النوم، إذا كان يعاني من اضطرابات النوم. ويفيد السمك الدهني في تقليل السلوك العدواني لدى الأطفال بصورة كبيرة.
البيض
قدّمي البيض لطفلكِ بشكل يومي، هذه نصيحة نعرفها كأمهات منذ زمن بعيد. وتحرص الأمهات فعلاً على تقديم البيض خصوصاً على وجبة الإفطار للأطفال وفي سن مبكر؛ نظراً لما يحتويه من قيم غذائية عالية؛ خاصة أنه مصدر من مصادر البروتين الهامة، وحيث يدخل البروتين في بناء الأنسجة والعضلات؛ إضافة إلى أن البيض يعَد مصدراً جيداً للعديد من العناصر الغذائية المرتبطة بصحة الدماغ؛ نظراً لمحتواه الغني منها، بما في ذلك الفيتامينات المشتقة من فيتامين B مثل B6 وB12. ويحتوي البيض على الفولات (حمض الفوليك) والكولين اللذين يدخلان في تركيب الخلايا العصبية للدماغ، وهو من المغذيات الدقيقة المهمة التي يستخدمها الجسم لإنتاج أستيل كولين، وهو ناقل عصبي هام ورئيسي يساعد على تعديل المزاج وضبط الذاكرة عند الكبار والصغار. وبالنسبة للصغار فيُنصح بتقديمه لهم في فترة الامتحانات، كما يُنصح بتقديم البيض لهم على وجبة الإفطار قبل الذهاب إلى المدرسة.
* ملاحظة من «سيدتي»: قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليكِ استشارة طبيب متخصص.