حقِّق المرغوب..  بإنفاق المحبوب

أحمد العرفج
د. أحمد  العرفج
د. أحمد  العرفج

قانون (الإنفاق) من القوانين القرآنية التي نحتاج إلى التوقُّف عندها للتدبُّر والتأمُّل أثناء مرورنا بها، فمعادلة قانون الإنفاق تقول: (أنفق ما تريد، وستحصل على كل ما تريد) مثلاً: لا يمكنك أن تستنشقَ الهواء حتى تُخرج الزفير الذي في صدرك، ولا يمكنك أن تُدخِل طعاماً إلى معدتك حتى تُخرج طعاماً آخر، (فالحياة أخذٌ وعطاءٌ).
في البداية دعونا نذكِّركم بقول الله عز وجل: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}. فالبرُّ كما، يقول أكثر المفسِّرين، هو: اسم جامعٌ لكل خيرٍ من خيرات الدنيا، أو من خيرات الآخرة. لذا لو أنفقنا أحبَّ الأشياء إلينا، أقبلت الخيرات علينا. 


ومن صور الإنفاق:

1- إنفاق ما تحبُّ من الأشياء المحسوسة: (طعام، مال، عطور، كتب، إلخ..) فمثلاً: إن كنت تريد استقبال ألذّ وأحبّ الطعام إليك، فأنفق أجوده، ودَعْ ما تكرهه، وقد روي عن عمر بن عبدالعزيز، أنه كان يضعُ في جيبه قطعاً من السكر ليعطيها الأطفال، لماذا؟ لأنه كان يحب السكر. وإذا كنت تحبُّ المال، فأنفق أحسنه، وإذا كنت تحبُّ العطور، فأنفق أفضلها، وإذا كنت تحبُّ الكتب، فاِهْدِ أنفسَهَا.
2- أنفق أحبَّ المشاعر إليك، وهو (الأهم)، مثلاً: أنفق المدح لمَن يستحقه، وأنفق الأدب لمَن يلبسه، وأنفق الاهتمام لمَن يطلبه، وأنفق الاستماع لمَن يبحث عنه، وإذا أنفقت ذلك (الذي تحبُّ)، فسيعود عليك من النوع والدرجة والصدق نفسه. حتى في عالم الـ (سوشال ميديا) أنفق ممَّا تحبُّ، فإذا كنت تحبُّ إشارة الـ (لايك) على منتوجاتك في الـ (سوشال ميديا)، فاصرف لهم من كيسك بعض الـ (لايكات)، وإذا أحببت أن يفعل الناسُ لك بعض الـ (ريتويت)، فأنفق ممَّا تحبُّ، وأعطهم (ريتويتاً)، وإذا كنت تريدُ أن تسمع مديحَ الناس في العلن، فامدحهم في العلن، ولا تتبع المنهج الغبي، بحيث تمدحُ الناس سراً، وتريدهم أن يمدحوك علانية، وقد انتبه إلى ذلك أهلنا في الحجاز فقالوا: "أهانني أمام الناس بزفة، واعتذر لي في لفة لا أحد يرانا بها". وقانون الإنفاق ينطبقُ أيضاً على المفاهيم الكبرى، مثل النجاح والسعادة، فإذا كنت تحبُّ النجاحَ، فأنفق من النجاحِ، وساعد غيرك لينجحَ، وإذا كنت تحبُّ السعادة، فساعد غيرك ليصبح سعيداً، وهذا ما يؤكده الحديث النبوي القائل: (لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ). وقانون الإنفاق ينطبقُ على (الحياة الزوجية) أيضاً، لذا إذا أراد الشريكُ استقبال ما يحبُّ، فعليه أن ينفق ممَّا يحبُّ، مثلاً، إذا أراد الحنانَ، فعليه أن ينفق منه، وإذا أراد الهدوءَ، فعليه أن ينفق من "كيس الهدوء" الذي يحبُّ، وهكذا. 
في النهاية أقول: يا قوم، إنَّ انسجام الإنفاق مع الحبِّ نتيجته النجاحُ والفلاحُ والانشراحُ، فديننا الإسلامُ دينُ حبٍّ وسماحٍ، ولكم أن تتأمَّلوا الفائزين بجوائز (اليانصيب) في أوروبا، فغالبيتهم ينهارون بكاءً وصياحاً، وتذهب أموالهم أدراج الرياح، ويقال لهم: "Easy come, easy go" لماذا..!؟ لأنهم لم ينفقوا أوقاتهم الثمينة في جمع وتحصيل هذه الجوائز.