ما هي إلا أيام قليلة، ويحل علينا شهر الخير والرحمات شهر به خير أيام وليالي الأرض ليلة القدر، التي فيها نزل القرآن الكريم إلى السماء الدنيا على خير أهل الأرض رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان". سيدتي التقت الشيخ محمد السعيد الأزهري من علماء الأزهر؛ للحديث حول استقبال شهر رمضان. يقول الشيخ محمد لسيدتي: تستقبل الأمة العربية والإسلامية شهر رمضان المعظم وهي مفعمة بالأمل، سائلة الله تعالى أن يكون عام يمنٍ وخير وبركة علينا جميعاً، وشهر رمضان شهر اجتهاد وجد وعمل، لا كسل ولا خمول فيه، فما أكثر ما حققه المسلمون على مر تاريخهم الطويل وهم صائمون في هذا الشهر الكريم، ليتعلم المؤمنون في كل زمان أنه شهر بذل وعطاء، فرمضان يحل علينا كل عام مرة واحدة، وسرعان ما تنتهي أيامه ولياليه بسرعة، فعلينا أن نستعد، ونستفيد من كم المكاسب الكثيرة التي تهل علينا جيداً، لنكون من الفائزين برضا الله عز وجل، وينبغي علينا أن نستقبل الشهر الكريم.
• كيف نستقبل الشهر الكريم؟
يقول الشيخ محمد:
- أولاً: التوبة النصوح
دعا الله عباده إلى التوبة مهما عظمت ذنوبهم وجلَّت سيئاتهم، وأمرهم بها ورغبهم فيها، ووعدهم بقبول توبتهم، وتبديل سيئاتهم حسنات رحمة ولطفاً منه بالعباد. والتوبة النصوح هي أن يُقلعَ الإنسان عن الذنب الذي ارتكبه في الحاضر، ويندمَ على ما سلف منه في الماضي، ويعزِم على ألا يفعل في المستقبل، ثم إن كان عليه حق لأي انسان ردّه إليه، حتّى تكون التّوبة مقبولةً عند الله، كذلك لابد أن نعقد العزم على عدم العودة للذنب مرة أخرى.
- ثانياً: عقد نية الصيام
دعاء نية صيام شهر رمضان وتكون: "اللهم إني نويت أن أصوم رمضان كاملاً لوجهك الكريم إيماناً واحتساباً، اللهم تقبله مني واجعل ذنبي مغفوراً وصومي مقبولاً"، والنية لها أهمية كبيرة في الإسلام، فهي التي تحدد هدفه وقصده في كثير من الأمور؛ لذا يقول صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى».
ثالثاً: صلة الأرحام
لا شك أن صلة الأرحام في شهر رمضان تعتبر من الأشياء التي يتوجب على المسلمين القيام بها، وصلة الرحم هي الإحسان إلى الأقارِب، وتكون بالمال، أو بالخدمة، أو بالزيارة، أو بصِلة الرحم وهي مِن أسْمَى المطالب التي يُعنَى بها الإسلام، ويرغّب فيها، وهي قرابة الرجل مِن جهة أبيه ومِن جهة أمِّه، وهذه مِن الحقوق التي دعتْ إليها الفطرةُ السليمة، وقرَّرتها الشريعة السَّمْحة.
- رابعاً: تربية النفس، وتعويدها على الطاعات
رمضان فرصة ذهبية لتربية النفس على الطاعات، ففي هذا الشهر نستطيع أن نفعل الكثير من المشاريع الدعوية والأفكار الإصلاحيَّة، ونبذل الأعمال الصالحة، وننتهج سبل أهل الخير ونتسابق في استغلال الأوقات الفضيلة بالدعاء في الصيام وصلاة التراويح. فنفوسنا الضعيفة تحتاج لدموع الخشية بين يدي الله لتُقويها. وعزائمنا المفتَرة تحتاج الدعاء، وشهواتنا المتواصلة تحتاج الصيام ليحد منها، فلا تجعل نصيبك من هذا الشهر الكريم فقط الجوع والعطش ومشاهدة المسلسلات.
- خامساً: التعلق بالمساجد
شهر رمضان فرصة للعودة إلى المساجد لمن غادرها، ، فنستطيع في هذا الشهر العظيم تعويد أنفسنا للتعلق بالمساجد؛ لكي نكون من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظلّه، والتعلق يكون بانتظار الصلاة بعد الصلاة؛ فيصلي أحدنا المغرب ويبقى جالساً لانتظار صلاة العشاء، وينال فضيلة الرباط في طاعة الله، ويقوم بقراءة القرآن والذكر وصلاة التراويح والقيام في المسجد، ولا يجب أن ننسى أهمية الاعتكاف في المساجد في العشر الأواخر؛ للخلوة برب العالمين، ومناجاته، لا ننسى كذلك الخشوع التام في الصلاة وتدبر القرآن الكريم والعمل به.
بالنهاية يقول الشيخ محمد: شهر رمضان ضيف عزيز على المسلمين ووافد كريم عليهم؛ فحريٌّ بهم أن يحسِنوا استقباله بما يستحقه من حفاوة وإكرام لينالوا الحسنات ويكفروا عن السيئات وينعموا بالرحمات، فبَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ إِذْ قَالَ: آمِينَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: "إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي، فَقَالَ: مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ..." ، فاللهم باعد بيننا وبين ذنوبنا كما باعدت بين المشرق والمغرب، وأجرنا من النار، ومن عذاب النار، واجعل رمضان شهر المغفرة والعتق من النيران والفوز بجنة الرحمن... اللهم آمين.