الاعتراض الرئيسي على استخدام الزيّ الموحد، سواء في المدارس أو الجامعات، أو أمكنة العمل، هو أنه يمنع الحرية الفردية؛ لأن العديد من المدارس، تحاول تشجيع الشباب على اتباع أفكارهم الخاصة، حتى يتمكنوا من اتخاذ قرارات أفضل، ولكن عن طريق اختيار زيّ موحد مصمم ومنسق مسبقاً سيحد هذا من حرية تفكيرهم باعتقاد الكثيرين، كما أنه يرفع من المخالفات ونسبة الهروب من المدارس، وفرض العقوبات في النظام المدرسي تحديداً... في هذا التحقيق ننقل مشهداً لأسباب تفضيل الزيّ المدرسي أو رفضه وعلاقته بالطبقية والتنمر!
ترتسم في أذهاننا صورة الزيّ المدرسي منذ الصغر الذي عرفناه منذ الأزل، ويتمثل في «المريلة» للبنات، والقميص والبنطال للأولاد؛ حيث كان ذلك هو الشكل التقليدي والمتعارف عليه لطلبة المدارس قديماً، وظل يتطور بالتدريج إلى أن وصل إلى الزيّ الحالي، وهو بلوزة وبنطال، لكنه أصبح مرفوضاً عند أغلب الطلاب، مع أنه في الماضي كان مدعاة للفخر.
أعدت الملف وشاركت فيه | لينا الحوراني Lina Alhorani
الشرقية والبحرين | عواطف الثنيان Awatif Althunayan
بيروت | عفت شهاب الدين Ifate Shehabdine
المغرب | سميرة مغداد Samira Maghdad
أؤيده في المدرسة وأرفضه في الجامعة!
لفتت ريناد سعود البقمي (22 عاماً)، خريجة صيانة الحاسب الآلي، من السعودية، إلى أهمية الالتزام بالزيّ الموحد في المدارس بجميع مراحلها الابتدائية والمتوسطة والثانوية، فالمدرسة، كما ترى، مكان للتعليم وليس مكاناً للاستعراض.
للزي الموحد إيجابيات، منها توجيه الطلبة نحو تحمل المسؤولية، واحترام الأنظمة، وعدم المبالغة في الانشغال بالمظاهر والشكل، والتركيز على العملية التعليمية، تستدرك ريناد: «تتمثل سلبياته في إرهاب الطلبة وتهديدهم بخصم الدرجات، لذلك قد تظهر سلوكيات وممارسات خاطئة للطلبة، منها الهروب من الطابور الصباحي، ولا بد من التأكيد أن التمرد على الأنظمة فيما يخص الزيّ الموحد هو عند الذكور أكثر منه عند الإناث، كذلك لا بد من توقع موجة ارتفاع أسعار الزيّ مع قدوم العام المدرسي الجديد».
ضوابط الحشمة
تؤكد ريناد أن نظام الجامعات والكليات يختلف عن بعضها، فبعضها يفرض على الطالبات زيّاً رسمياً موحداً، خاصة الحكومية، أما القطاع الأهلي أو الخاص فيتيح حرية ومرونة أكثر ويترك للطالبات اختيار الزيّ طالما أنه يتناسب مع ضوابط الحشمة، ويراعي خصوصية المجتمع السعودي، وهذا هو الأفضل، كما تراه؛ إذ تقول: «أؤيد الزيّ الموحد في المدرسة وأرفضه في الجامعة».
نريد زيّاً يؤكد الهوية الوطنية
تمكين الزيّ الرسمي لطلبة المدارس والجامعات أمر جيد جداً، كما تراه حصة البلوشي (20 عاماً)، طالبة إعلام في كلية التقنية، من الإمارات؛ لأنه يرتبط بالزيّ الوطني الذي يمثل الهوية والانتماء إلى الإمارات. تؤمن حصة بأن التقييد باللباس الرسمي هو وسيلة إيجابية لبناء مجتمع متعاون فكرياً ومعنوياً في اختيار الأنسب لأبنائهم، لا سيما النظام والانضباط بوصفهما جزءاً أساسياً في الشخصية الرسمية للطلاب والطالبات، سواء كانوا في المدارس أو الجامعات، تتابع قائلة: «دراسات عديدة قرأتها سابقاً عن أهمية تنوع مصادر تعدد الزيّ، في العمل تحديداً، ووجدت أن نسبة 60% يؤيدون فكرة التنوع الثقافي في الزيّ الرسمي الموحد، فكل بلاد تمثل هويتها الوطنية الأصلية، وتسعى دائماً إلى تمكين قدرات المصممين على إنتاج تصاميم مناسبة للزي الرسمي الموحد، وبعد العديد من القراءات حول موضوع الالتزام بالزيّ الرسمي الموحد كانت من أهم أهداف المجتمع الإماراتي اليوم بأن يتم تطبيق مثل هذا النوع من البنود، بوصفه وسيلة للانضباط الشخصي لسياسة التوجه البيئي في المدارس».
ما رأيك بالتعرف على قصص إنسانية غيّرت نظرتنا إلى الحياة
جزء من الانضباط
عندما تتحدث حصة عن أهمية الانضباط، تتوقف عند طلاب الجامعة الذين لا يملكون زيّاً رسمياً، وهو أمر يشعر الطلاب بحرية الاختيار، خصوصاً مع تنوع الجنسيات في الإمارات، تستدرك قائلة: «من وجهة نظري أرى أن قانون الالتزام بالزيّ الرسمي الإماراتي في الجامعات والكليات جزء من الانضباط، الذي أتمنى أن ينطبق على الجميع، لتخفيف حالة الاستعراض، التي تأثرت وبقوة، بشخصيات التواصل الاجتماعي. اليوم، تسعى دولة الإمارات، وخصوصاً وزارة التربية والتعليم، إلى بناء وابتكار زيّ رسمي مناسب للأعمار وللتحديات التي تواجه الطلبة في مجتمعنا الإماراتي، وتعد هذه الخطوة من أهم خطوات الركيزة الأساسية وتحقيق أهداف استراتيجيات كثيرة، يأتي من بينها تمكين اقتراحات أفراد المجتمع.
مريم محمد: الزيّ الموحد يعلم الانضباط
الالتزام بالزيّ المدرسي يدخل ضمن لائحة السلوك والمواظبة المدرسية، التي ينبغي أن تتحلى بها الطالبات بجدية ومسؤولية، والتي يعد عدم القيام بها مخالفة للتعليمات المدرسية في البحرين.
هو بمنزلة الهوية الشخصية، كما تؤكد مريم محمد (16 عاماً)، طالبة في المرحلة الثانوية، ويلغي الفوارق المادية أو المبالغة في المظاهر، تتابع قائلة: «إن الاستعداد للمدرسة يفرغ جيوب أولياء الأمور، ويسبب ذلك أزمة مالية للأسرة؛ حيث يستغل التجار عودة الطلبة إلى المدارس أو الجامعات أو العمل برفع أسعار مستلزمات العودة إلى المدرسة من دون أدنى مراعاة للأسر محدودة أو متوسطة الدخل، فقد بلغت أسعار الزيّ الموحد قيمة غير معقولة، خصوصاً في المدارس الخاصة، ومع ذلك تستمر المخالفات بعدم ارتدائه».
مشاركة الأهالي
لا تجد مريم محمد الزيّ الشعبي مناسباً في المدرسة بوصفها تجمعاً للعديد من الطالبات من مختلف المحافظات أو المناطق، ولكل محافظة هوية تعكس شخصيتها تعلّق: «في إحدى المرات عندما كنت أنزل من الدرج تعثرت بالمريول المدرسي الطويل، لذلك أطالب ببعض التعديلات على الزيّ الرسمي طالما المدارس غير مختلطة ولها خصوصيتها».
الزيّ الموحد يمنع التمييز الطبقي
يبدو أن ديانا دوغان (19 عاماً)، طالبة جامعية، من بيروت، قد انتهت من مشكلة الزيّ المدرسي، الذي يعترض عليه كل التلاميذ في المدارس، بحسب رأيها، وتتذكر هروبهم من الأساتذة والمشرفين، عند الوقوف صباحاً لإلقاء النشيد الوطني خوفاً منهم، تتابع قائلة: «كنا نخضع للإنذارات، ويبقى الكثيرون منا خارج الصف لساعة كاملة عقاباً على هذا الفعل». ومن محاسن الزيّ المدرسي، كما تجد ديانا، أنه يبعد الطلاب عن التمييز الطبقي والاجتماعي، ويمنع ظاهرة الاستعراض المنتشرة بشكل كبير في المدارس المختلطة تحديداً، تستدرك قائلة: «عدم الالتزام به يزيد من توتر الطلاب من أهالي الدخل المحدود، فتبدأ بينهم المنافسة على ارتداء القطعة الأكثر ثمناً، فضلاً عن زيادة الانشغال بماركات الملابس، خصوصاً في المرحلة الثانوية».
يمكنك الاطلاع على تحديات شباب اليوم ..بين الأحلام والواقع والأولويات
تزداد الثقة والاحترام
يساعد الزيّ المدرسي الموحد، برأي ديانا، الطلاب على زيادة تركيزهم على الدراسة، ويبعد الآخرين عن تصنيفهم، الذي يتسبب بالحقد بينهم، تستدرك موضحة: «قد يقلل من نسبة التنمرّ ضد الطلاب الذين يرتدون ملابس متواضعة، كما أنه يساعد الأطفال على الشعور بالمسؤولية تجاه مدرستهم».
حريتنا في العطل الرسمية
يعدّ لؤي الحاج بركة (17 عاماً)، من المغرب، أن الزيّ الموحد سبب للمشادات في أوساط المدارس الثانوية؛ حيث يكون التلاميذ في سن المراهقة وازدياد الاهتمام بالذات؛ الأمر الذي قد يخلق لديهم رفضاً لكل ما قد يفرض عليهم.
ويوضح أنه في ظل الانتشار السريع لوسائل التواصل الاجتماعي التي تروج للموضة، من قصات وألوان جريئة تغري المتلقي خاصة المراهقين والطلاب الجامعيين، يكثر التمرد ضد الزيّ الموحد، بحجة أنه يحد من حريتهم في اختيار ملابسهم التي تواكب الموضة، مثل ظاهرة السراويل الممزقة وتسريحات الشعر العجيبة وصباغته بألوان مختلفة، يتابع قائلاً: «مع أن الزيّ الموحد موضة قديمة، لكن لا يمكنني تجاهل أنه يضيف أناقة ورقياً اجتماعياً للشخص الذي يرتديه أولاً، ثم للمؤسسة التي ينتمي إليها ثانياً، كما أنه يساعد على التخفيف من السخرية والاستهزاء داخل المؤسسة وإلغاء الفوارق الاجتماعية والطبقية بينهم، ويجعلهم يظهرون بمظهر واحد».
صورة المؤسسة
يرى لؤي أن الزيّ الموحد يحدد هويتنا بوصفنا طلاباً أو موظفين أو مضيفي فندق أو طائرة، يستدرك قائلاً: «يمكننا استرجاع هذه الحرية في عطلة نهاية الأسبوع والعطل السنوية. فأنا لا أتخيل مدير مؤسسة أو بنك بجينز ممزق وألوان صارخة وصباغة شعر بألوان جريئة مثلاً. وأذكر صديقاً ذهب إلى مدرسته يوماً بجينز عادي قصير تحت الركبة فمُنع من الدخول، وأمه وأبوه كانا في اجتماع وهاتفهما صامت، فظل من دون دروس لساعات ينتظر قدوم والديه للحضور للإدارة وإحضار ملابس محترمة تليق بالمؤسسة وصورتها».
تاريخ الزيّ المدرسي
- بدأ ظهور الزيّ المدرسي في الإمارات والسعودية في أواخر الستينيات من القرن الماضي، عندما كان يرتدي الطلبة حينها قمصاناً وبناطيل، وصولاً إلى مرحلة الثمانينيات ليصبح «الكندورة» و«الجلباب» وما يماثله من لباس محتشم للطالبات.
- دخلت فكرة الزيّ المدرسي إلى مصر في القرن التاسع عشر، وكان معروفاً بهيئة واحدة، وهي بنطال وقميص للأولاد، و«مريلة» للفتيات، وكان يتم تفصيله خصيصاً.
- تعود فكرة الزيّ المدرسي الموحد إلى القرن السادس عشر؛ حيث تم فرضه على الأطفال في دور الأيتام، في بريطانيا، لتمييزهم عن غيرهم.
- وتم إقرار الزيّ المدرسي للطلاب في مدرسة غاكوشوئين اليابانية التي تم تأسيسها بصفتها مدرسة «للطبقة الأرستقراطية» في اليابان في عام 1879، وهي تقليد للزّي العسكري.
- عرفت أميركا الزيّ المدرسي عام 1970، بسبب معايرة الطلاب لبعضهم، ولم تلق قبولاً كبيراً في البداية، ثم بدأت المدارس تقبل الفكرة وتطبقها أخيراً. أما في ألمانيا، فلا يرتدي الطلبة الزيّ المدرسي على الإطلاق، وحتى عام 2005 لا يوجد سوى ثلاث مدارس تفرض الزيّ.
يمكنك أيضًا التعرف على أخطاء تقع بها الأمهات عند اختيار الزي المدرسي للبنات