لمياء النهاري اسم تألق في سماء الفن التشكيلي بأسلوب متميز، فقد اختارت أن تخصص ريشتها في السنوات الأخيرة لرسم القفطان المغربي، وإبداع لوحات تشكيلية تعبر عن غنى الزي المغربي الأصيل، الذي يحمل كما تقول دلالات تاريخية وحضارية عريقة. عرفت معارضها في عدد من بلدان العالم، نجاحاً كبيراً خاصة ألمانيا وإسبانيا. ولاتزال أجندتها مليئة بمواعيد عالمية لعرض لوحاتها التي تجسد قفاطين زاهية بألوان الحياة. لمياء ترسم وتبحث في التراث وتمارس السياسة وتدير وكالة للتأمين، لكن كل المهام تذوب أمام عشقها الأبدي للرسم الذي يعد سر وجودها كما تقول. وسألناها:
هل أنت فعلاً فنانة عصامية؟
قد أكون عصامية لكوني عشقت الفن كموهبة من الصغر، تعلمت بعض مبادئ فنون الرسم في المدرسة الابتدائية في مادة التفتح الفني، وفي الإعدادي درسنا مادة خاصة للفنون التشكيلية التي كنت مميزة جداً فيها، وأيضاً تعلمت من أستاذ الفنون التشكيلية جارنا الذي لقنني عدداً من تقنيات الرسم بعد أن لاحظ موهبتي وتعاملي الجيد مع الريشة والألوان. في مرحلة الدراسة بالثانوي، كنت يومياً أنظر إلى جدارية كبيرة من توقيع فنان مغربي هو مصطفى النافي. كنت دوماً أتطلع إليها وأحلم بأن أرسم لوحة مثلها في المستقبل، كانت ثمة ظروف عائلية لم تسمح لي باختيار الفنون التشكيلية كدراسة، واخترت الأدب الإنجليزي. مع ذلك رافقتني الريشة دائماً. صقلت موهبتي فيما بعد بتكوين مهني محترف في إسبانيا.
من أين لك بهذا العشق الفني؟
كنت أرسم دائماً، ولعلني تاثرت كثيراً بوالدتي التي كانت تعمل كخياطة، نشأت وسط الألوان والخيوط والقماش والطرز المتنوعة، كنت أساعدها وأنخرط في عالمها الجميل، كما كنت أصنع عرائس من بقايا الثوب.
متى ترسمين ولماذا؟
حينما تنتابني حالة نفسية معينة يصعب تفسيرها، خاصة وأنني أعمل لحسابي الخاص في وكالة تأمين تتكون من طابقين، خصصت الطابق العلوي للرسم. فكلما حضرني الإلهام، أصعد هناك لأعانق الرسم وأخط بريشتي ما سكن بالخاطر.
ما يلهمك أكثر؟
التراث المغربي الأصيل جذبني دوماً، ألتقط جماله من خلال الصناعات التقليدية وجمالية القفطان، ومن خلاله درست وتعمقت في التراث، حتى دراستي الجامعية خصصتها للبحث في التراث الذي أبهرني بتاريخه وتنوعه وعراقته. هل أنت من المتمسكين بالتقاليد. تابعي معنا الفرق بين العادات والتقاليد وكيف تؤثر في ثقافة الشعوب
لماذا رسم القفطان؟
هو أسلوبي الفني الخاص بي، وامتداد لاهتمامي بالتراث وهو جزء مهم من تاريخنا، وقد عايشته مع والدتي منذ الطفولة وقد لا يختلف اثنان حول جماليته، إذ هو لحاله لوحة فنية تستحق أن توثق وتحفظ. هي تراكمات ورحلة بحث وتساؤلات عن كيف يمكن أن يكون رمزاً في لوحاتي، وأساهم بالتعريف به وتوثيقه بالريشة على المستوى العالمي. بدأ الحلم يتحقق خاصة بعد مشاركتي في معرض بدوسلدورف بألمانيا. كنت فخورة جداً بهذه التيمة التي احتفت بالقفطان وجماليته وأحاول باستمرار البحث وإبراز التنوع الثقافي الذي يتمتع به الزي المغربي الذي يختلف من منطقة لأخرى.
القفطان بالنسبة لي كالعلم المغربي، يرمز لهوية بلدي. في 2007 حضرت عرساً في تونس وكنت في الفندق أرتدي القفطان وحيتني فرقة موسيقية التي عرفت بأنني مغربية من خلال ارتدائي القفطان، وحييت المغرب بفضل الزي الذي أحمله، وكانت الالتفاتة جميلة ومؤثرة.
مهام كثيرة تقومين بها، كيف تجدين وقتاً للفن؟
أسست جمعية كإطار للاشتغال على هاجسي الأساسي وهو إحياء التراث، ومساعدتي على احتضان تظاهرات للفن التشكيلي وغيرها. هذا واجب وطني بالنسبة لي كمستشارة جماعية لأول مرة. هدفي أساساً خدمة الثقافة، التحقت بلجنة الثقافة في المجلس البلدي لمدينتي القنيطرة، وناضلت من أجل أن يكون لدينا مهرجان للتراث، وفعلاً كان ذلك ونظمنا لأول مرة هذا المهرجان لمحاربة التلوث البصري وتزيين مدينة القنيطرة بجداريات تحتفي بالتراث. كان لي شرف أن تكون لي جدارية إلى جانب فنانين تشكيليين وهم أصدقاء وجهت لهم الدعوة، وقمنا بعدة جداريات وأنشطة تراثية مع الأطفال والكبار، ولازالت لدي مشاريع لتطوير مدينتي ثقافياً وفنياً كل هذه المهام تتطلب فقط الشغف وتنظيم الوقت. فضلت أن أكون إيجابية وأفعل ما أحب فعلاً.
أجد في الفن التشكيلي الفسحة الوحيدة التي تطمئن لها الروح وتسكن إليها الأحاسيس، وتمكنني من العثور على الطاقة الإيجابية لمواصلة الحياة بأمان. الفن هو سفر دائم لا يفارقني ويمنحني القوة.
هل تأثرت بمدرسة فنية معينة؟
لابد للفنان أن يطلع على كل المدارس الفنية وكل التوجهات والتراكمات، لأخذ أسلوب خاص به. شخصياً اخترت المضي في رسم القفطان المغربي بتنوعاته وتلويناته الكثيرة والمختلفة والغنية. أجد نفسي في رسم القفطان الذي يميز اليوم توجهي الفني التراثي الذي أسعى دائماً كما قلت لإبراز قيمته وجماليته.
ورمزيته لكني قمت بتجارب فنية أخرى متنوعة.
هل اختيارك يدخل ضمن مشروع فني معين؟
أي شيء له علاقة بالتراث يستهويني كثيراً. لم يكن وليدة الصدفة بل هو عبارة عن تراكمات حسية فنية منذ الصغر، ولوالدتي الفضل الكبير كما قلت، إضافة إلى بحثي عن الزي المغربي والتراث اللامادي الذي سجل اليوم في اليونسكو.
طموحاتك ماهي؟
أطمح لأسلوب منفرد خاص بي يميزني، وأن أترك أثراً إيجابياً، كما أطمح لتوثيق الزي المغربي والتعريف به عبر العالم.
لوحة تحلمين بها؟
لا توجد لوحة بذاتها. كل لوحة تولد بإحساس خاص وفي لحظتها الإبداعية.
الألوان التي تحبينها؟
أشتغل بكل الألوان، لكن أحب ألوان الطبيعة، كما أشتغل بألوان علم المغرب الأحمر والأخضر. أعتقد أن كل الألوان جميلة مادمنا نراها.
كلمة للنساء؟
كلكن رائعات. أهمس لهن: الشخص الوحيد الذي سيسعدك هو أنت، اشتغلي وناضلي لتحقيق أهدافك في الحياة. أتمنى لكل امرأة أن تحقق أحلامها وقتما شاءت وفي أي سن كانت. المهم أن تتحلى دوماً بروح المبادرة والإبداع والأمل.
سيعجبك متابعة موضوع في "المستقبلية القوطية" من هو راميلزي الذي ملأت أعماله الكون الأسطوري بين المجرات