قابلت «سيدتي» رلى سلمون، المُهندسة المعماريَّة والمصمِّمة اللبنانيَّة، في مكتبها الكائنِ بمنطقةِ الحمرا في بيروت، الذي يُركِّز على التصاميمِ المعماريَّة والداخليَّة الخاصَّة بالمشروعاتِ السكنيَّة والتجاريَّة وتصميمِ المفروشات. تُعرِّف سلمون التصميمَ بـ «الإلهامِ، والإبداعِ، والتجاربِ بالموادِّ والألوانِ، وبالتعبيرِ الشخصي نتيجةً لذلك»، وتشيرُ إلى أن أعمالها مستوحاةٌ من الطبيعةِ وتضاريسها، وتدعو إلى التأمُّل. في الآتي نصُّ الحوار.
تصوير : فاتشيه أباكليان Vatche Abaklian
كيف بدأ شغفكِ بالهندسةِ المعماريَّة والتصميم؟
لدي عديدٌ من الذكرياتِ المتعلِّقةِ بذلك من طفولتي، وتعطي نظرةً ثاقبةً لما أنا عليه اليوم. أتذكَّرُ أنني كنت أحبُّ الفنونَ التطبيقيَّة، والحرف اليدوية، وأي شيءٍ ينطوي على صنعٍ. لقد لعبتُ، وجرَّبتُ باستخدامِ وسائطَ مختلفةٍ مثل الطلاءِ، والخيزران، والصلصالِ، والشمع، إضافةً إلى ذلك، كانت لدي مجموعةٌ كبيرةٌ جداً من زجاجاتِ العطور (ما زلتُ أحتفظُ بها حتى اليوم). لم أكن مفتونةً بتصاميمِ هذه الزجاجاتِ فحسب، بل وأعرفُ روائحَ كلِّ العطورِ عن ظهرِ قلبٍ! وفي عمرٍ أصغرَ، تخيَّلتُ أن عملي في سنِّ البلوغ، سيكون تصميمَ العطرِ وزجاجته. مَن يدري، ربما سيصبح ذلك واقعاً يوماً ما.
لقراءة المقابلة في مجلة سيدتي المطبوعة، اضغط(ي) على هذا الرابط
الهندسة المعماريّة مهنة رياديّة
ما الدروسُ المُستفادةُ من دراستكِ الأكاديميَّة الأولى بالجامعةِ الأمريكيَّة في بيروت، ثم بجامعةِ كولومبيا في نيويورك؟
التجربتان كانتا مثريتَين للغاية، وأقلُّ ما يقالُ فيهما إنهما شكَّلتاني. كانت شهادةُ الهندسةِ المعماريَّة في الجامعةِ الأمريكيَّة في بيروت قويَّةً جداً فقد درستُ فيها أساسَ المهنة، وبعد أن مارستها على مدى أعوامٍ بأحدِ أشهرِ المكاتب في العاصمةِ اللبنانيَّة، شعرتُ بحاجةٍ إلى متابعةِ الماجستير، وإعادةِ اكتشافِ رؤيتي الخاصَّة. ما أحببته حقاً في دراستي للماجستير بجامعةِ كولومبيا، إضافةً إلى التجربةِ الجميلةِ التي اكتسبتها من خلال لقائي مهندسين معماريين من جميعِ أنحاءِ العالم، هو الإمكاناتُ الهائلةُ التي وفَّرتها لي هذه الشهادة. لقد أعدتُ اكتشافَ الهندسةِ المعماريَّة بوصفها مهنةً رياديَّةً، وأحببتُها.
صخرة الروشة
كيف يُلهمكِ كلٌّ من الطبيعةِ، والمورفولوجيا العلمُ الذي يدرسُ بنيةَ الكائناتِ الحيَّة وشكلها وصورتها العضويَّة، أطلعي القرَّاءَ على قطعٍ من تصاميمكِ، تُعبِّر عن ذلك؟
أجدُ الطبيعةَ، والوجودَ في الهواء الطلق مُسكِّناً للغاية. يُتيح ما تقدَّم لعقلي أن ينفصلَ، ويشردَ في الطبيعةِ حيث يُلهمني كلُّ شيءٍ، الخطوطُ، والألوانُ، والقوامُ، والحركة. عندما صمَّمتُ سجاد ستراتا، أدهشني تأثيرُ السديمِ في ألوانِ المدينةِ (بيروت)، وأثناء تصميمي طاولاتِ ستراتا، شدَّت انتباهي منحدراتُ صخرةِ الروشة.
مكافأة عظيمة
أدرجتكِ مجلَّةُ Domus، وهي مطبوعةٌ متخصِّصةٌ في الهندسةِ المعماريَّة، ومقرُّها ميلانو، ضمن قائمةِ مصمِّمين، يجبُ متابعتهم. ماذا يعني لك أن يتمَّ الاعترافُ بكِ من قِبل جهاتٍ دوليَّةٍ؟
أتذكَّرُ مقالةَ Domus جيِّداً، إذ نُشِرَت عامَ 2019 عندما شاركتُ في معرضِ «بيروت ديزاين فير». شعرتُ بسعادةٍ غامرةٍ، وتواضعٍ حينما قرأتها. عندما يعملُ الشخصُ بصورةٍ يوميَّةٍ على تصاميمه ومشروعاته، قد يصعبُ عليه أحياناً رؤيةُ الصورةِ الأكبر، خاصَّةً في الأعوامِ الأولى. أرى أن الاعترافَ بعملي، محلياً وعالمياً، مكافأةٌ عظيمةٌ.
علاقة تكافلية
من بين مشروعاتِ البحثِ، وتصميمِ الأثاث، والهندسةِ المعماريَّة، ما المجالُ الذي يثيرُ اهتمامكِ أكثر من غيره، ولماذا؟
تصعبُ الإجابةُ عن سؤالكِ. لطالما طُلِبَ مني أن أختار مجالاً واحداً، أو سُئِلتُ عن المجالِ الذي أرغبُ في ممارسته حصرياً. أعتقد أن حقيقةَ أنني شكَّلتُ ممارستي حول كلِّ هذه المجالاتِ أمرٌ مُعبِّرٌ جداً، فكلٌّ منها جزءٌ متأصِّلٌ في مهنتي، فالتجاربُ، أو النتائجُ التي أقومُ بها، أو أصلُ إليها في أحدِ هذه المجالات، تُغذِّي المجالات الأخرى. إنها علاقةٌ تكافليَّةٌ.
"العلاقة تكافلية بين البحث وتصميم الأثاث والهندسة المعمارية وكل من هذه المجالات متأصل في مهنتي"
هل لاحظتِ أن أذواقَ الناسِ أصبحت متشابهةً كثيراً في عالمٍ أمسى فيه التصميمُ أكثر أهميَّةً في حياةِ البشر، وهل لمستِ أن وسائلَ التواصلِ الاجتماعي، تُحدِّد الاتِّجاهاتِ السائدة؟
في حين أن بعضَ القطعِ قد تبدو للوهلةِ الأولى متشابهةً لناحيةِ المظهر، أو قد يكون هناك شعورٌ بالألفةِ تجاه جاذبيَّتها، أو ألوانها، يبقى من المهمِّ قراءةُ كلِّ قطعةٍ في سياقها، أي التعرُّفُ إلى قصَّة المصمِّم، ومتى، وكيف نشأ؟ وكيف تعلَّم هذه المهنة؟ كلُّ ذلك مهمٌّ جداً لمعرفةِ السياق الجيوسياسي الذي يعملُ المصمِّمُ فيه، وفهمه فهماً كاملاً.
التلاعب بالأنسجة والألوان
أخبرينا عن الموادِّ التي تروقُ لكِ، هل تُفضِّلين التعبيرَ عن مادةٍ واحدةٍ في كلِّ قطعةِ أثاثٍ، وإظهارَ مستوياتٍ أخرى منها؟
يتيح لي استخدامُ خامةٍ واحدةٍ لكلِّ قطعةِ أثاثٍ أصمِّمها التلاعبَ بالأنسجةِ، والألوانِ، وحبيباتِ الخامة. من خلال هذا النهج، أطوِّرُ كلَّ قطعةٍ، وأجعلها منحوتةً ذات وظيفةٍ. لقد استمتعتُ حتى اليوم بتطويرِ قطع التصميمِ باستخدام خامةٍ واحدةٍ، وأتطلَّعُ إلى استكشافِ الإمكاناتِ التي يتيحها استخدامُ مادتَين في الأعمالِ المستقبليَّة.
بعد الاطلاعِ على عددٍ من مشروعاتكِ المعماريَّة، لاحظتُ أن هناك تلميحاتٍ إلى الماضي بطريقةٍ ما، هل هذا صحيحٌ، وهل هناك أسلوبٌ معيَّنٌ، يجذبكِ، أو يُلهمكِ؟
عندما يتعلَّق الأمرُ بتصميمِ الـديكورات الداخليَّة، أحبُّ أن أمزجَ بين قطعِ التصميم، بما في ذلك بعضُ أعمالي، والقطعُ المعاصرة، والقطعُ التي تُمثِّل أيقوناتٍ كلاسيكيَّةً. أحبُّ أيضاً أن أترك مساحةً للعملاءِ للتعبير عن شخصيَّاتهم في منازلهم، وإضافةِ قطعٍ إلى مجموعاتهم مع مرورِ الوقت.
كيف ترين مستقبلَ التصميمِ في المنطقةِ والعالم؟
في كلِّ أنحاءِ العالم، يُلاحظ أن هناك تعاوناً، وتلاقحاً في مجالاتٍ مختلفةٍ، وتركيزاً على البيئةِ، والممارساتِ المستدامة، والعدالةِ الاجتماعيَّة، وبشكلٍ أكبر على المصمِّمين الإقليميين، مع الاهتمامِ بإحياء الحِرفِ والتقنياتِ القديمة. عليه، أرى مشهدَ التصميمِ إقليمياً ومزدهراً.
ما مشروعاتكِ للربعِ المتبقي من العامِ الجاري (2024)؟
أقومُ بتوسيعِ مجموعاتي، لتشملَ عدداً أكبر من المنتجاتِ، وقطعِ الأثاث، إضافةً إلى التعاونِ مع مهندسين معماريين لابتكارِ أعمالٍ مُصمَّمةٍ حسبَ الطلب للعملاء. أعملُ أيضاً على مشروعاتٍ معماريَّةٍ وداخليَّةٍ في دولٍ عربيَّةٍ، وأخطِّطُ لإنشاء مجموعةِ هدايا للعامِ المقبل، مع مواصلةِ زيادةِ نطاق عملي في مجالَي الهندسةِ المعماريَّة، والتصميمِ الداخلي في الخارج.