إذا كان شهر مارس هو شهر المرأة، فإنّ أجمل ما فيه هو الاحتفال بيوم الأم، وفيه يتم تكريم الأمهات على ما بذلنه من جهد لا يمكن وصفه من أجل الأبناء، فكان هذا اليوم بمثابة التذكير برد الجميل، وهو يوم 21 مارس من كل عام. الكثير من الأبناء يهرولون لشراء هدايا لأمهاتهم تعبيرًا عن حبهم لهن، والاعتناء بهن في الزمن الرقمي الذي أنسى الكثيرين حتى أنفسهم، وأنساهم أيضًا زيارة الأم في كثير من الأوقات.
تستحق أكثر
السعوديون هذا العام رفعوا شعار: "يوم واحد للاحتفال بالأم لا يكفي"، وقالوا: "هي تستحق أكثر من ذلك، حتى ولو قبلنا الأرض تحت أقدامها فلن نوفيها ما تستحق من تعب".
"سيدتي" استطلعت آراء السعوديين في الاحتفال بيوم الأم، وهل يوم واحد يكفي الاحتفال بالأم؟ فكان هذا التحقيق.
بداية يتعجب الإعلامي سلامة الزيد قائلاً: "إن كان البعض يستكثر حتى هذا اليوم وحرَّمه، فهل نطمع بالزيادة؟!!، الأم عيدنا وفرحنا الذي لا ينتهي، وأنت بين يديها الطاهرة تشعر بأنك لا تزال ذلك الطفل العاشق للدلال والثناء والحلوى، وعندما يقسو عليك الظرف تجدها الملاذ الآمن الحاني الرؤوم، الذي يتحمل عنك أوجاعك بسعادة غامرة، أجزم أنّ الأكثر غنى عاطفي هو ذلك الذي تكون أمه عيده الملازم لكل لحظاته".
ويضيف الزيد: "لا يحس أهمية الأم ومشاعرها أحد قدر من فقدها مثلي يرحمها الله، أصبحت من ولهي عليها أغبط كل من ألمحه في سوق أو مستشفى أو صالة مطار وأمه إلى جواره يراعيها ويبرها، وتسقط من عيني دمعة".
نعمة كبيرة
وتؤكد الإعلامية غادة النهدي أنّ يومًا واحدًا للاحتفال بالأم لا يكفي أبدًا قياسًا بما بذلته وتبذله من أجل أبنائها، وتقول:" الأم نعمة كبيرة، وهبها لنا المولى عز وجل، جنان مشرقة هي ابتسامتها، ليس بعد رضاها رضا، يحتفي بها قلبي كل لحظة، ولن تقاس محبتها بعدد الاحتفالات والسنين، أدعو الرحمن الرحيم أن يحفظ أمي وجميع أمهات المسلمين، ولا يرينا فيهنّ بأسًا يشقينا، أحبك أمي".
ويؤكد مدير التحرير بجريدة الوطن في منطقة المدينة المنورة موسى بن مروي أنّ يومًا واحدًا لا يكفي أبدًا للاحتفال بالأم، وما قدمته، ويقول:" صحيح أنّ يومًا واحدًا لا يكفي لتكريم الأم إذا ما قورن بفضل الأم ودورها العظيم في حياة أبنائها وأسرتها الذي لا يجزيه أي تكريم، والتكريم الحقيقي للوالدين وللأم خصوصًا لا معنى له إلا إذا اعتبر واجبًا أساسيًا في يوميات أبنائهما من الجنسين طوال الأيام والليالي ومن ذلك السهر على رعايتهما والرأفة بهما، والإحسان إليهما ومراعاة مشاعرهما، وتلمس رضاهما، وبذل الغالي والنفيس لإشعارهما بقدرة جلالهما وعظمة عطائهما كما قال تعالى: "وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً"، ورغم ذلك أرى أنّ من الأشياء الجميلة تخصيص بعض الفعاليات للاحتفاء بالأم، خصوصًا في وسائل الإعلام كلفتة إنسانية، ولتذكير الغافلين، ولتسليط الضوء على التجارب الجميلة لوفاء الأبناء بحق أمهاتهم".
ويقول الكاتب الصحفي نضال قحطان:" أمهاتنا لا يغبن عن خارطتنا اليومية، يحضرن بقوة في تفاصلينا خطواتنا، فلا يمكن لإنسان متزن واعٍ أن يمحي ذاكرته التي تتربع فيها، وتتوسدها وتقاطعت في مجرياتها أمه، ومن هنا فإنّ يومًا واحدًا لا أتصوره كافيًا لهذه الإنسانة التي تفني حياتها في تهيئة أبنائها ليكونوا قيمة ما في مستقبل الحياة، فتسهم بحب وتفاعل في وجدان أطفالها، وتشكل ذائقتهم لتكون نواة الانطلاق إلى ضفاف الدنيا".
ويضيف قحطان:" إنّ أمهاتنا يحتجن لاحتفاءات متعددة في العام، لنعبِّر لهنّ عن امتناننا الكبير بكل خطواتهنّ المضيئة لدروبنا التي احتاجت لمشاعل الأمومة المتقطرة حنانًا، خوفًا، فرحًا، حلمًا، وأشياء عديدة لا يمكن لنا حصرها. لذا فمهما حولنا ومهما فعلنا لن نكون قادرين على رد هذا العطاء الباذخ والشفاف لتلك التي تمنحك كل شيء ولا تنتظر منك شيئًا".
بر الوالدين
أما أستاذة علم الاجتماع السعودية بجامعة كاليفورنيا ليلى الزهراني، فقالت: بسم الله الرحمن الرحيم:"قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا(30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا(31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا(32)" سورة مريم. إنّ عيسى بن مريم في هذه الآيات يعرّف نفسه ورسالته، نرى أنّ إحدى رسالاته البر بوالدته والخضوع والخشوع أمامها. عندما يريد الشخص أن يعرّف نفسه للآخرين يتحدث عن أهم الأمور التي يميزها، وكما مرّ أنّ عيسى بن مريم عندما يريد أن يشرح رسالته ووظيفته يتحدث عن أمور، منها البرّ بوالدته، فالبر بالوالدين أحد الواجبات التي تساوي الصلاة وعبادة الله، وكما نقرأ في آية 23 من سورة الإسراء يقول الله تعالى: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا"، فإنّ ما أوجبه الله للمومنين عبادته والبر بالوالدين وهذا الأمر لن يختلف فيه أحد.
ولو نبحث قليلاً في أحاديث الرسول _صلى الله عليه وسلم_ نعرف أنه كان يوصي بإحسانهما دائمًا. سأشير إلى بعضها: عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي: أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله"، وفي حديث آخر روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رجلاً قال: يارسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ ﻗﺎﻝ: أمك، ﻗﺎﻝ:ثم من؟ ﻗﺎﻝ: أمك، ﻗﺎﻝ: ثم من؟ ﻗﺎﻝ: أمك، ﻗﺎﻝ: ثم من؟ ﻗﺎﻝ: أبوك". والأحاديث كثيرة، ولا يمكن أن نذكرها في هذا المجال.
شاهدنا أنّ الله أوجب بر الوالدين كما أوجب الصلاة، ونرى أنّ أنبياء الله كلهم كانوا يوصون بالإحسان إلى الأم أكثر من الأب، ولكن نواجه بعض المسلمين يصلون، يصومون ويجاهدون ويظنون أنهم يعملون على الإسلام لكن لو نشاهد علاقاتهم الاجتماعية مع أمهاتهم مع كل الأسف نرى أنهم يظلمونها، وهذا يخالف الإسلام والقرآن تمامًا، فالله سبحانه يقول في محكم التنزيل "وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا".
تكريم الأمهات يختلف باختلاف الدول
عيد الأم هو اليوم الذي تكرِّم فيه الأمهات، وهو يختلف تاريخه من دولة لأخرى، فمثلاً في العالم العربي يكون اليوم الأول من فصل الربيع أي يوم 21 مارس، أما النرويج فتقيمه في 2 فبراير، أما في الأرجنتين فهو يوم 3 أكتوبر، وجنوب أفريقيا تحتفل به يوم 1 مايو. وفي الولايات المتحدة يكون الاحتفال في ثاني أحد من شهر مايو من كل عام. وفيه يتم عرض صور رسمها أطفال بين السادسة والرابعة عشرة من عمرهم وتدخل ضمن معرض متجول يحمل اسم "أمي"، ويتم نقله كل 4 سنوات حيث يتجول المعرض في عديد من الدول.