عمر قطان 36 عاماً، وجاك برسكيان 50 عاماً، فلسطينيان شردتهما النكبة، وجمعهما الحلم، فأسسا أول متحف في أراضي السلطة الفلسطينية، وللتماهي في الحلم أكثر حمل المشروع اسم: «المتحف الفلسطيني»
الإعلان عن مشروع «المتحف الفلسطيني» انطلق من دبي، وبعد ساعتين من لقاء «سيدتي» مع اثنين من المؤسسين في «مؤسسة التعاون»، وهما عمر قطان، رئيس مجلس إدارة فرقة عمل المتحف الفلسطيني، القادم من لندن، وجاك، مدير وقيم عام المتحف الفلسطيني، القادم من فلسطين، ليعلنا للعالم إطلاق مشروع المتحف عبر مؤتمر صحافي. وكان مكان الإطلاق معرض «آرت دبي»، وأسر لنا عمر الذي ولد في بيروت وانتقل إلى المملكة المتحدة عند اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، بأن الفكرة ليست جديدة، بل تم طرحها في العام 1967 من قبل المؤسسة «تعاون»، وهي مجموعة نساء ورجال أعمال ومثقفين من بينهم إدوارد سعيد، آنذاك، ولكن بسبب الشتات الفلسطيني لم تر الفكرة النور، وأعيد إطلاقها ثانية في ذكرى خمسينية النكبة في 1998 لتمجيد الماضي، وكان الخلاف حول المكان المناسب للمتحف؛ فالبعض أراده في القدس كونها عاصمة فلسطين، ولكن كانت فكرة مستحيلة لن تسمح إسرائيل بها، وفي حال السماح لن يستطيع معظم الفلسطينيين الوصول لها.
وتابع عمر: رأينا أن يكون المتحف الفلسطيني صرحاً لتخليد الماضي، وبذات الوقت مؤسسة ثقافية تحتفي بالثقافة الفلسطينية بالمعنى الواسع للكلمة. إننا نريد مؤسسة ثقافية حيوية تهتم بالواقع والمجتمع، ولا تكتفي بتخليد الذكرى، فالماضي أساسي، ولكن وحده لا يكفي، وعلينا ربطه بالمستقبل.
وعدنا إلى جاك، الفلسطيني المنحدر من أصول أرمينية، ويحمل الجنسية الأميركية، والذي عاش التهجير أكثر من مرة، فبعد الهجرة الأولى من أرمينيا استقرت أسرته في فلسطين، ولكن طالهم التهجير ثانية من فلسطين إلى كل أنحاء العالم. وكان نصيب أسرته السفر إلى أميركا والحصول على الجنسية الأميركية، ولكن جاك عاد للقدس ولم يستطع إخفاء فرحته وهو يسر لنا: «أنا محظوظ في العائلة؛ لأني تمكنت من البقاء في القدس». ولكنه لم ينكر أن جنسيته الأميركية ذللت أمامه كثيراً من الصعوبات؛ واعترف: «جنسيتي الأميركية قد تكون سهلت حياتي من ناحية السفر، ولكن داخل فلسطين أنا مثل أي فلسطيني مهما اختلف مصدر جواز سفري، بل على العكس الجواز الأميركي قد يكون حجة في يدهم لتهجيري ثانية على أساس أنني أملك جنسية أميركية؛ وهذا أشد خطورة، فنحن نعتبر مقيمين في فلسطين ولسنا مواطنين».
ميزانية
رأس المال الموضوع للمشروع بحدود 11 مليون دولار للمرحلة الأولى، غير المصاريف الإدارية ومصاريف البرامج، بمساحة 3000 متر مربع، والتي ستغدو 6000 متر مربع في المرحلة الثانية. ويأمل عمر وجاك أنه خلال سنين سيكون لدى المؤسسة مبلغ من تبرعات الأعضاء، ومن الناس بشكل عام ممن يحب المساهمة غير المشروطة في مشروع المتحف، وهما متفائلان بزيادة عدد أعضاء «مجموعة التعاون»، الذين يضخون الأموال، والذين يبلغ تعدادهم حالياً 10 أشخاص. ويؤكدان أن العدد سيصبح 45 مساهماً، وتابع عمر: «قد نتلقى الدعم وثمة وعود من الخليج، خاصة وأن هناك الكثيرين لديهم مقتنيات جميلة لها علاقة بفلسطين، يمكن لنا أن نستعيرها، أو نقبلها كهدية، وسنتقبل التبرعات غير المشروطة بهدف دعم مشروعنا غير الربحي».
طريقة العمل
الآن بدأ العمل على تحضير مجموعة مقتنيات لتعرض بشكل دائم، وستمتد مرحلة العمل الأولية على 5 سنوات، وتم تصميم برنامج دوري يتغير باستمرار، كما قال جاك، الذي فسر لنا آلية العمل قائلاً: «سيتم تبديل البرنامج مرتين في السنة، وكل دورة هناك قضية يتم تبنيها والعمل عليها، وسنركز في السنة الأولى على موضوعين، أولهما «الهوية الفلسطينية»، وسنبدأ من مرحلة ما بعد النكبة، حيث سنسلط الضوء على بعض التمثيلات المرتبطة بالهوية الفلسطينية كالمفتاح وصك الملكية، الذي حمله المهاجرون معهم عندما غادروا فلسطين، وسنتطرق لهذه الرموز وللهوية الوطنية عبر السرد التاريخي الذي مر فيه الصراع الفلسطيني.
اعتماد دولي
وسيكون اعتماد مشروع المتحف دولياً،؛ لأنه من دون هذا الاعتماد سيصعب على المجموعة الاستعارة من متاحف أخرى أو إعارة أي مجموعات، ويوضح جاك: «الخطة حالياً أن نستقل عن «مجموعة التعاون»، وأن يكون للمتحف مجلس أمناء ومجلس استشاري من الخبراء، وفي هذه الأثناء سنعمل على أن يكون للمتحف رخصة دولية معترف بها تسمح له بالتعاقد مع جهات أخرى، وأن يقدم ذاته ضمن معايير دولية، وأن يبقى مشروعاً أهلياً غير ربحي».
الانطلاقة من دبي
دبي كانت أول محطة لنا، وتشجعنا لذلك؛ لوجود الصحافة الأجنبية. قال عمر، وتابع ضاحكاً: «كما أن ظهورنا في سيدتي سيحقق لنا مزيداً من الشهرة». ووجه جاك وعمر القادمان من خلفيات فنية رسالتهما عبر «سيدتي»، فقال جاك: «الشعب الفلسطيني نموذجاً للشعب المكافح من أجل حريته، وهذا المتحف للشعوب التي تسعى للحرية». أما رسالة عمر فكانت دعوة للتخلص من الخوف، وعبر عنها قائلاً: «علينا تجاوز خوفنا والوثوق أن كل شي ممكن، وقد نبدأ بتعلم الحرية منذ الطفولة، وعلى الأمهات ألا يضعن كثيراً من الخطوط الحمراء أمام أبنائهن، وأن يزرعن فيهم الثقة، وثقافتنا لن تزدهر إن لم ندافع كلنا عن الحريات».