يوم عالمي آخر يحتفل به العالم أجمع، لكنه ليس يوماً عابراً أبداً، فعندما يتعلق الأمر بأهم مكونات حياتنا على الإطلاق وأساسها، فمن كل بدّ أنه لن يكون عابراً. إنه "اليوم العالمي للمياه"، شريان حياتنا الرئيس، والذي يصادف الإحتفال به 22 آذار / مارس من كل عام، والذي قالت بشأنه الأمم المتحدة، بأنه لَبِنَة أساسية في الحياة، فهو ليس ضرورة لإرواء العطش وحسب، وإنما ضرورة لحماية الصحة، ومسألة حيوية في ما يتصل بخلق فرص العمل ودعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية.
موضوع العام 2019: "لا تترك أحداً يتخلف عن الركب"
واختارت الأمم المتحدة في العام السادس والعشرين للاحتفال بـ"اليوم العالمي للمياه"، موضوعاً جديداً هاماً في العام الجديد 2019، والذي جاء تحت عنوان "لا تترك أحداً يتخلف عن الركب"، والذي وصفته المنظمة الأممية، بأنه يُمثل مسألة تعديل الوعد الجوهري الوارد في خطة التنمية المستدامة للعام 2030، فمع التقدم الذي تم إحرازه في تحقيق التنمية المستدامة، فمن الضوري ضمان أن يستفيد منها الجميع. حيث يتضمن الهدف 6 من هذه الأهداف، غاية تتمثل في ضمان إتاحة المياه للجميع مع حلول العام 2030، وإدارة تلك المياه إدارة مستدامة. وهو مما يعني بطيعة الحال ضمان "ألا يتخلف أحد عن الركب".
وتابعت الأمم المتحدة، خلال ما نشرته على موقعها الإلكتروني الرسمي، في موضوع العام الجاري، أنه لم يزل مليارات الأفراد يعيشون دون مياه مأمونة للشرب، وهو مصطلح يُراد به "خدمة مياه الشرب التي تدار بأمان": وهي المياه المُوصلة إلى المباني ويمكن الحصول عليها مباشرة عند الحاجة بدون الخوف من احتمال تلوثها. وتعاني تلك المليارات من البشر نظراً للحالة القائمة المتصلة بالمياه في منازلهم ومدارسهم وأماكن أعمالهم ومزارعهم ومصانعهم. وهو كفاح متواصل للبقاء وللإزدهار.
وبحسب المنظمة الأممية، فإنه غالباً ما تُعاني المجموعات المهمشة من النساء والأطفال واللاجئين والسكان الأصليين وأصحاب الإحتياجات الخاصة وغيرهم، من الإهمال، وأحياناً تواجه هذه الفئات التمييز عندما يسعون إلى الحصول على ما يحتاجون من المياه المأمونة والمُدارة جيداً.
لأن المياه من أهم حقوق الإنسان..
وكانت منظمة الأمم المتحدة خلال العام 2010، قد أقرت بأن الحق في الحصول على مياه شرب مأمونة ونقية، فضلاً عن الحصول على خدمات الصرف الصحي المناسبة، هو حق من حقوق الإنسان، ولا بدّ منه للتمتع التام بالحياة وبجميع حقوق الإنسان.
ويكفل حق الإنسان في الحصول على المياه أن يكون مُتاحاً للجميع دون تمييز، وإمكانية الحصول على قدر من المياه كاف ومأمون ومقبول وممكن مادياً وميسور الكلفة لاستخدامه في الاستعمالات الشخصية والمنزلية؛ التي يقصد بها استعمال المياه لأغراض الشرب والصحة الشخصية وغسل الملابس وإعداد الطعام والنظافة الصحية الشخصية والمنزلية. وربما تُرك أشخاص "متخلفين عن الركب" دون الحصول على مياه مأمونة لأسباب عديدة.
ومن "أسباب التمييز" التي تسبب في حرمان كبير فئات معينة من الأشخاص متى تعلق الأمر بالوصول إلى المياه: الجنس والنوع الجنساني، العرض والأصل الإثني والدين والمولد والطائفة واللغة والجنسية، الإعاقة والعمر والحالة الصحية، بالإضافة إلى الملكية والحيازة والإقامة والحالة الاقتصادية والاجتماعية. كما أنه ثمة عوامل أخرى مثل التدهور البيئي وتغير المناخ والنمو السكاني والصراعات والنزوح القسري وتدفقات الهجرة، يمكن أن تؤثر بصورة غير متناسبة على الفئات المهمشة من خلال التأثير على المياه.
وتؤكد الأمم المتحدة، أنه ومن خلال هدف هذا العام الجاري "عدم ترك أي أحد خلف الركب"، يجب العمل على تركيز جهود العالم كله نحو ضمَّ الأشخاص المعرضين للتهميش والإهمال. كما أنه على العالم أن يُلبى خدمات المياه واحتياجات الفئات المهمشة، بالإضافة إلى أنه يجب أن تُسمع أصواتهم في عمليات صنع القرار. ويجب أن تقر الأُطر التنظيمية والقانونية بحق جميع الأشخاص في الحصول على المياه، كما يجب توفير تمويل كاف وموجه بصورة نزيهة وفعالة للذين هم في اشد الحاجة إليه.
هكذا بدأ الإحتفال بهذه المناسبة..
بدأ الإحتفال بـ"اليوم العالمي للمياه"، من خلال توصية تم تقديمها في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالببيئة والتنمية الذي عقد في مدينة "ريو دي جانيرو" البرازيلية خلال العام 1992. حيث أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن يتم تعيين يوم 22 آذار / مارس من العام التالي 1993، بوصفه اليوم العالمي "الأول" للمياه. كما دعت الجمعية العامة في ذلك القرار إلى تكريس هذا اليوم - حسب مقتضى الحال في السياق الوطني - لأنشطة ملموسة من قبيل زيادة الوعي عن طريق نشر المواد الوثائقية وتوزيعتها، وتنظيم مؤتمرات واجتماعات مائدة مستدية وحلقات دراسية ومعارض بشأن حفظ وتنمية موارد المياه وتنفيذ توصيات جدول أعمال القرن 21.