معهد العالم العربي تصاميم عربية بنظرة فرنسية

صورة مبنى معهد العالم العربي
مبنى معهد العالم العربي

معهد العالم العربي هو مؤسسة قائمة على القانون الفرنسي، وأُنشِئت عام 1980م لتكون، في الأساس، أداة للتعريف بالثقافة العربية ولنشرها، في تلك السنة اتفقت 18 دولة عربية مع فرنسا على إقامته ليكون مؤسسة تهدف إلى تطوير معرفة العالم العربي بأبحاث عميقة تحاكي لغته وقيمه الثقافية والروحية.
فما الذي تحويه ثنايا هذا المعهد، وكيف يربط بين التاريخ والتكنولوجيا، وما هي "جائزة معهد العالم العربي للتصميم"؟

الواجهة الزجاجية لمعهد العالم العربي


هذا الصرح الحضاريّ الفريد من نوعه بدأ فكرةً نبيلة طرحت في ما بين الملك خالد بن عبد العزيز رحمه الله والرئيس الفرنسي الأسبق جيسكار ديستان لتتحوّل إلى مشروع طموح في عهد فرانسوا ميتران، ولعب جاك لانغ، وزير الثقافة حينها، رئيس المعهد حالياً، الدور الأهمّ في اختيار موقع المعهد في قلب باريس الحضاريّ والمعرفيّ والتاريخيّ، وفي الحيّ اللاتينيّ الشهير بمعالمه التي ترمز لكل ما هو جميل ونبيل في باريس وفي فرنسا عموماً، حيث قام بتصميم المعهد المهندس الفرنسي جان نوفيل هو نفسه الذي صمم متحف برانلي في العاصمة الفرنسية باريس، والذي يقع على مقربة من برج إيفل وعلى ضفاف نهر السين، هذا المتحف الذي يهتم بالفن البدائي أو الأولي اعتمد في تصميمه على الحديد والصلب وألواح الألمنيوم.

ذكريات الشرق

آلة راب


يعرف معهد العالم العربي بالمشربيات التي تتحكم فيها لوحة كهروضوئية، حيث تنغلق ألواح الألمنيوم إذا اشتدت أشعة الشمس، بطريقة ساحرة، تنقل تموجات وألوان الشمس في الصحراء العربية، وقد أُدمج المبنى في التركيبة المعمارية الباريسية كامتداد لمباني جامعة جوسيو، مع إبراز طابعه الفردي بفضل المشربيّات على واجهته.
أما التصميم الداخلي للمبنى فيتميز باللونين الأبيض والرمادي وبالمساحات الملساء، وهو يعبر من خلال الشفافية عن مفهوم التصميم المعماري، الذي تخدم رموزه الهندسية الوظائف الرئيسية للمبنى، ابتداء ببرج الكتب بشكله الحلزوني الذي يربط بين طوابق المكتبة على نحو يذكرنا بمئذنة جامع سامراء، ومروراً بقاعات المتحف الواسعة، كثيفة الإنارة، حول باحة داخلية والتي تشبه العمارة التقليدية في حوض البحر الأبيض المتوسط، وليس انتهاء بغابة الأعمدة المنتشرة في قاعة مستلهَمة من أعمدة جامع قرطبة.
فيما الواجهة الشمالية عبارة عن جدار أو ستار معدني (من الألمنيوم) وزجاجي، وهي صلة الوصل مع الحي القديم في باريس. حيث يحاكي إيقاعها الأفقي الأبنية القديمة المحيطة، وانعكاس النور على موادها المعالجة خصيصاً يعطي الانطباع بأنها مطبوعة على الزجاج في جزئها العلوي، وقد قام الفنان الفرنسي التونسي إل سيد برسم لوحة جدارية هائلة على جزء من هذه الواجهة.
أما الواجهة الجنوبية فتستعيد الزخارف الهندسية التراثية العربية، وهي مكونة من 240 مشربيّة ذات طابع صناعي وزخرفي وكأنها ستارة أكثر من كونها جداراً، في داخلها آلية دقيقة بالغة التعقيد كفسيفساء من رقائق معدنية تنفتح وتنغلق بفضل خلايا ضوئية كهربائية، فتحدد كمية النور الداخلة للمبنى حسب إضاءة الشمس في الخارج، وقد صُمّم إيقاع هذه الآلية ليسمح بثماني عشرة حركة في اليوم كحد أقصى.

 

يعرف معهد العالم العربي بالمشربيات التي تتحكم فيها لوحة كهروضوئية، حيث تنغلق ألواح الألمنيوم إذا اشتدت أشعة الشمس، بطريقة ساحرة

 

الحوار الإنساني

معرض "كنوز للارتداء"،


يمتاز معهد العالم العربيّ في باريس بمسيرته العريقة والمتألّقة على مدى ثلاثين عاماً، راكم خلالها الإنجازات، فأنشأ أكبر مكتبةٍ عن العالم العربيّ في الغرب، ونظّم مجموعةً كبيرة من المؤتمرات والندوات والمعارض، وأصدر سلسلةً قيّمة من الدراسات والتقارير، واهتمّ بتطوير أساليب تدريس اللّغة العربيّة وتصميم أدواتها المُبتَكرَة، تمتاز أنشطته بكثافتها، وتنوّعها، وتوزّعها على مختلف الحقول والمجالات المعرفيّة والفنّيّة، وتغطيتها الدول العربيّة في المشرق والمغرب، وهي تُسهم كلّها في تعريف فرنسا، ومن خلالها أوروبّا والعالم الغربيّ، بالصورة الحقيقيّة للعالم العربيّ والإسلاميّ، بتاريخه وتراثه وحضارته، وبثقافته وإبداعاته وأوضاعه الرّاهنة، وتنمّي التبادلَ الثقافيّ والتفاعلَ الحضاريّ والحوارَ الإنسانيّ بين الشرق والغرب.
وهو أشبه بمركز ثقافي يختص في ميادين العلوم والتقنيات، وقد جاء ثمرة تعاون بين فرنسا وبين اثنين وعشرين بلداً عربياً منها المملكة العربية السعودية، والبحرين، والإمارات العربية المتحدة، العراق، الأردن، الكويت، «كجسر ثقافي» حقيقي بين فرنسا والعالم العربي.
معهد العالم العربي بباريس يكشف عن القائمة القصيرة لجائزة الأدب العربي 2023 بفرنسا

العلا: عجائب الجزيرة العربية

مصحف يعود تاريخه إلى بداية القرن العشرين، يُعرض خلال معرض "العلا: عجائب الجزيرة العربية"


في أكتوبر من العام 2019 تم افتتاح معرض غامر وقائم على الأبحاث يعرض أحد أهم المواقع التاريخية والثقافية في المملكة العربية السعودية، الأولى، هو معرض "العلا: عجائب الجزيرة العربية"، الذي أقيم في "معهد العالم العربي" (IMA) في باريس، وهو أول معرض رئيسي في العالم مخصص لاستكشاف التاريخ متعدد الطبقات يحكي عن تاريخ المنطقة.
وعلى الرغم من أن منظمي المعرض يصفون العلا بأنها "واحة لها 7000 عام من التاريخ"، إلا أنه في السنوات الأخيرة فقط تم لفت انتباه العالم إليها، وذلك بفضل الجهود الاستراتيجية التي يدعمها مسؤولون حكوميون سعوديون، وينقسم المعرض إلى أربعة أقسام، ما يعطي نظرة ثاقبة على ماضي وحاضر هذه المدينة غير المعروفة. يبحث القسم الأول في البيئة الخصبة (بسبب وجود واحة) في العلا، وهو يأخذ الزوار من خلال تجربة حية متعددة الحواس، حيث تخللت جميع أنحاء المعرض رائحة عطر فرنسي الصنع، باستخدام مكونات النباتات التي تنمو عادة في العلا، بما في ذلك التين والتمر والرمان والمورينجا، وهناك التقت الطبيعة بالتاريخ، ولإثبات هذه النقطة، أحضر القائمون على المعرض المصور الفرنسي الشهير والبيئي يان أرثوس برتران، الذي مارس التصوير الجوي منذ التسعينيات، لتوثيق مواقع العلا المختلفة في طائرة هليكوبتر خاصة، وهي مهمة اكتملت في غضون أسبوع. يمكنكم متابعة الموضوع  في النسخة الديجيتال على هذا الرابط

نزهة بمدينة عربية

 


يستقبل المعهد، محاضرين عن الآثار قديمة من العصور الوسطى، وبعض الفنون والحرف، وهو مكان لقصص الإبداع المعاصر، وكأننا في نزهة بمدينة عربية، تكشف الخمار عن تعبيراتها الجمالية الحسية والنفسية.
وقد نظّم المعهد مجموعةً كبيرة من المؤتمرات والندوات والمعارض، وأصدر سلسلةً قيّمة من الدراسات والتقارير، واهتمّ بتطوير أساليب تدريس اللّغة العربيّة وتصميم أدواتها المُبتَكرَة التي تغطي الدول العربيّة في المشرق والمغرب، بالصورة الحقيقيّة للعالم العربيّ والإسلاميّ، بتاريخه وتراثه وحضارته، وبثقافته وإبداعاته وأوضاعه الرّاهنة، وتنمّي التبادلَ الثقافيّ والتفاعلَ الحضاريّ والحوارَ الإنسانيّ بين الشرق والغرب.
كما أعيد انتخاب وزير الثقافة الفرنسي السابق جاك لانغ (84 عاماً)، رئيساً لمعهد العالم العربي للمرة الرابعة، وقال جاك لانغ في أعقاب فوزه لوكالة الصحافة الفرنسية إن لديه "الطموح" بجعل المعهد "أهم متحف للفن العربي الحديث والمعاصر في الغرب، مع الحفاظ على وفائه لمهمته الأساسية وهي اكتشاف التاريخ واللغة والثقافة العربية"، لكن منصب المدير العام لمعهد العالم العربي في باريس، يعطَى لشخصية عربية مرموقة، وفي هذا العام 2024 تم تسلم العراق رسمياً، هذا المنصب، بعد مصادقة مجلس إدارة المعهد على تعيين مرشح العراق والدول العربية الشاعر والديبلوماسي العراقي شوقي عبد الأمير مديراً عاماً جديداً للمعهد.

جائزة معهد العالم العربي للتصميم

في العام 2023 أحدث المعهد، "جائزة معهد العالم العربي للتصميم"، لتسليط الضوء على المصممين الصاعدين والمتميزين في العالم العربي، وقسم المعهد الجوائز لمصممي العالم العربي، إلى أربع فئات:
جائزة "الموهبة الناشئة" للمصممين أو المهندسين المعماريين دون سن الـ 34، وللطلاب، مع إمكانية التعاون مع شركاء أو حرفيين أو شركات.
جائزة "الموهبة الريادية" لاستوديوهات التصميم، والمكاتب الهندسية، والشركات.
"الجائزة الكبرى" لمشروع ملفت للنظر تندرج قيمه في نقل المعرفة، والمشاركة الاجتماعية والبيئية، والشمولية، وتوفير الرفاهية، وتتناغم مع أسس جائزة معهد العالم العربي للتصميم.
"جائزة الشرف الكبرى" تكريماً لمسار شخصية ناشطة في مجال التصميم في العالم العربي
وفي هذا العام 2024 تضمنت لجنة تحكيم الجائزة شخصيات مرموقة، وترأست دورتها الثانية المصممة اللبنانية، ندى دبس.