الحوار مع الشيخ الدكتور محمد بن عبد الرحمن العريفي، يحمل الكثير من المعرفة والبساطة في آن معًا، فهو داعية معاصر، يعرف كيف يخاطب الشباب بلغة العصر والحوار والمنطق، معتمدًا على اجتهاده وثقافته المعرفية الشاملة، وبساطته التي تصل إلى حدود التبسط مع الجميع، مما أوقعه في العديد من المشاكل والمطبات الصحفية التي يصفها بالاصطياد في الماء العكر
وهو إلى ذلك محدث بارع، ومقدم ناجح للعديد من البرامج، جامعًا بين أمور العقيدة والحياة، بعيدًا عن التعصب، وفي هذا الحوار الذي خَصَّ به قراء «سيدتي» يتحدث د.العريفي عن الشباب ومشكلاته، والعديد من المواضيع المعاصرة
كيف ترى جدوى مخاطبة جيل الشباب بلغة العصر، وهل يكون هذا الخطاب مجديًا من خلال التواصل المباشر أم عبر الإنترنت ووسائل الإعلام الجديد؟
لكل جيل أسلوب خاص في مخاطبته؛ فالذي يخاطب الشباب، عليه أول الأمر أن يفهم واقعهم وهمومهم، ويعرف مشاكلهم؛ كي يفلح في اختيار المواضيع التي تصلح لهم، فإذا تم اختيار الموضوع المناسب والأساليب والطرق المناسبة من خلال العبارة المباشرة أو المحاضرات أو من خلال الأساليب التي يستعملها شباب هذه الأيام؛ مثل: البلاك بيري وقنوات التواصل الاجتماعي: تويتر، فيس بوك وغيرها. ففي تصوري أنه سيتم إيصال الرسالة بشكل جيد وواضح إلى الشباب والفتيات على حد سواء
هل يمكن أن توضح لنا طريقة تربيتك لأولادك، وكيف تتعامل معهم؟
اكتشفت أن استعمال أساليب التربية الحديثة جدًا مثل: الرفق الزائد واللين الزائد مع الأبناء قد يفسدهم، لذلك تحتاج إلى أن ترجع إلى أسلوب أبيك وجدك في الحزم، وأحيانًا بالشدة والصراخ، وربما الضرب؛ حتى تحل بعض المشاكل، لكن أعود وأؤكد أن ليست كل المشاكل تحل بالشدة، وليست كلها تحل باللين
وهل تنطبق مشاكل الشباب على ما تعانيه الفتيات هذه الأيام، وما هي أهم المشاكل التي تتطرق إليها ويتم الحديث عنها في برامجك؟
أتصور أن أكثر من 90 % من المشاكل متشابهة لدى الشباب والبنات، فكلهم يعانون من البطالة، ويؤرقهم كل ما يتعلق بالزواج والبحث عن شريك الحياة، كذلك السكن وما يتعلق بالدراسة والوظيفة، وغيرها من المشاكل والهموم المتشابهة، لكن تبقى الفروقات الفطرية وأسلوب التعامل معها، والكلام الذي نوجهه للبنات يوجه مثله للشباب
على هذا الأساس، هل تعتقد أن الشباب يعيش في أزمة حقيقية تتمثل بالابتعاد عن الفطرة السليمة، وكيف السبيل إلى العودة إلى هذه الفطرة؟
بلا شك.. خاصة خلال السنوات الأخيرة بعد أن انفتح البث الفضائي على الناس، وانفتحت مواقع الإنترنت، وسهل التواصل وانتقال الأفكار والأخلاق، وربما أيضًا انتقال المبادئ والأديان من الأمم الأخرى، حيثُ بدأ بعض الشباب يتأثر أحيانًا بأخلاقيات البوذيين والهندوس والملحدين، وغير ذلك، وبدأ يأخذ بعض هذه الأخلاقيات، وربما بعض السلوكيات المنتشرة هناك، والتي هي منتقدة في مجتمعنا، فيبدأ بعض الشباب محاولاً أن يتبناها، ويعد التمسك بها أحيانًا نوعًا من الشجاعة، وهي في الحقيقة ليست شجاعة، بل شهوة تغلب على نفسه بقدر ضعف إيمانه، والنبي، عليه الصلاة والسلام، ذكر آخر الزمان فقال: «لا يأتيكم زمان إلا كان الذي بعده شر منه»، كما قال: «تأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيهن الكاذب ويكذب فيهن الصادق وينطق فيهن الرويبضة»، وهذه كلها أمور تدل على أنك كلما ابتعدت عن عهد النبوة وتقدمت نحو نهاية الزمان والعالم ظهر شيء من الفساد في المجتمعات
أضعف الإيمان
لديك مشاركات واسعة في المؤتمرات الإنسانية والإسلامية العامة خارج السعودية وداخلها؛ ما الجدوى الفعلية لهذه المؤتمرات على الصعيد العملي، وهل يمكن اعتبارها مشاركة من باب (أضعف الإيمان)؟
هذه تأتي حسب نوع المؤتمرات، وما يمكن أن تخرج به من نتائج يمكن تطبيقها، فالمؤتمرات التي تتكلم عن التعامل مع المسنين ومشاكل العنوسة وغيرها ستكون مفيدة؛ لأنك تتعامل مع عامة الناس الذين يمكن أن يقبلوا منك كلامك مباشرة؛ لأنهم مقتنعون بك، لكن هناك بعض المؤتمرات، وهي حقيقة كما ذكرت، من باب أضعف الإيمان، خاصة تلك التي تتعلق باتخاذ مواقف سياسية، وأنا أعلم أنها قد تكون شكوى بعض الأخوة إلى بعض، وأقرب إلى التفكير بصوت مسموع، لكن لابد أن تشعر أنك قدمت شيئًا، فليسعد النطق إن لم يسعد الحال
وماذا تخبرنا عن رحلتك إلى تنزانيا، ولماذا هذا البلد تحديدًا، ولقاؤك ببعض القبائل الوثنية هناك؟
تنزاينا حقيقة هي قصة لوحدها، فقد كانت تأتيني دعوات من أفريقيا لا أستجيب كثيرًا لها، ففي ظني السابق أن من يذهب إلى هذه القارة هو كل من يريد أن يساعد، مثلاً: في إطعام الجوعى وسد المجاعات أو عمل إغاثي أو صحي أو تعليمي بحت، وأكثر ما أعمله أنا ومن على شاكلتي من الدعاة هو العمل الدعوي الذي يتلخص في إلقاء محاضرات وتأليف الكتب وتقديم الدورات التدريبية ونحو ذلك
لكنني عندما ذهبت إلى تنزانيا رأيت في إقبال الناس على الخير واجتماعهم في المساجد شيئًا لم أكن أتوقعه حقيقة من قبل، فمن شدة ازدحامهم ومحبة الخير يجتمع من ستة آلاف إلى ثمانية آلاف شخص في المحاضرة الواحدة في المسجد الذي قد يكون أحيانًا من طابقين ويمتلئ بهذا العدد كله، وقد كنت أتحدث إليهم عبر مترجم
وقد ذهبنا إلى بعض القبائل، واسمها (الماساي)، وهذه القبائل وثنية، وتحدثت معهم، وقد لا يعلم الجميع أن أفريقيا فيها 800 مليون يحتاجون إلى من يأتيهم ويدعوهم إلى الإسلام، ويوزع عليهم المصاحف باللغة السواحلية، وهناك 200 مليون يتحدثون بهذه اللغة، ومع ذلك ليس لديهم مصاحف كفاية، فهم يحتاجون -إن صح التعبير- إلى من يتعاون معهم في الدعوة والإصلاح قدر المستطاع
لكنهم يحتاجون أيضًا إلى التبرعات والدعم المادي والإنساني كما يحدث في الصومال هذه الأيام وبعض الدول العربية؟
ما يحدث في الصومال هو مصيبة على الأمة حقيقة، وعلى الجميع الوقوف معهم، ومناصرتهم ودعم الجمعيات الخيرية من أجل الوصول إليهم
مخاطبة الآخر
من جهة أخرى، هل يمكن الوصول إلى آلية موحدة لمخاطبة الآخر، والجميع يتحدث عن حوار الحضارات والثقافات المختلفة؟
هناك تحديدات معينة ذكرها الله -سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم للتعامل مع كل الناس، وهي توجيهات ربانية للتعامل مع الآخر مهما كان، سواء كان هذا الآخر مسلمًا أو كافرًا، عدوًا أو صديقًا، محبًا أو مبغضًا، فلابد أن يكون التعامل معه وفق قواعد عامة تتمثل بالرفق واللين والحكمة وحسن الظن، وتقديم أساليب التحبب إليه ونحو ذلك، وهذه كلها أساليب تنفع بلا شك، ثم تأتي بعد ذلك مسائل أخرى تنفع في التعامل مع الآخر أحيانًا؛ مثل: زيادة الغفلة وعدم الانتباه إلى تخطيطه لك
وكيف يمكن التعامل مع الدعاة الذين يتصفون بالتشدد سواء من مذاهب أو ديانات متعددة، هل تنفع معهم الحكمة والموعظة الحسنة؟
الأصل أن يتعامل المرء بالحكمة والموعظة الحسنة، والله سبحانه وتعالى يقول في آياته الكريمة: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»، وكذلك يقول في آية أخرى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ»، أي أنه سبحانه أمر باللين كما أمر بالغلظة والشدة، وهذا يدلك على أن تلبس لكل حالة لبوسها، فإما نعيمها وإما بؤسها، والإنسان المغرض الذي يبدي لك العداوة والشدة ويتكبر عليك ويرى أنك ضعيف مستضعف وليست عندك قدرة على إثبات نفسك، لابد أن تريه قدرتك، وأن تلطفك معه لا يدل على ضعفك، وإنما على رحمتك وحسن خلقك معه، أما الإنسان الذي يحسن بك الظن ويبحث عن الحق ويتعامل معك باللين، ويشترك في البحث عن الحق والتمسك به، فهذا يستعمل معه اللين والحكمة والرفق
الحرص على الخير
هل تعتقد أننا نعيش في زمن كبت الحريات العامة برغم الفضاء الإعلامي العالمي المفتوح؟
في البلدان العربية عمومًا ليست هناك حريات كافية، وطبعًا هذه تختلف ما بين دولة وأخرى، لكنهم يجتمعون عمومًا في عدم وجود حريات كافية للفكر، وعدم إعطاء الحرية لمؤسسات العمل المدني والمؤسسات الخيرية، بخلاف ما هو واقع في أوروبا، بدليل أنك تجد بعض الناس يضيق عليه في بلده وفي عمله الخيري، فيذهب ويفتح هذه الجمعية الخيرية في ألمانيا أو في فرنسا وبريطانيا، وأقول سبحان الله! هؤلاء قوم لا يدينون بالإسلام ويشجعون الجمعيات الخيرية الإسلامية، بينما نحن لا نشجع ذلك