تشير الإحصائيات الحديثة التي سجّلتها منظمة الصحة العالمية هذا العام إلى وجود ما يناهز 11 مليون إصابة بالسرطان بين النساء في العالم، يمثّل سرطان الثدي نسبة 10 في المائة، من بينها. وثمة إشارة إلى أن هناك 300 ألف امرأة معرّضة للإصابة بسرطان الثدي سنوياً حول العالم!
ويحدث السرطان نتيجةً لتغيير في شكل ومحتوى ونموّ الخلية نفسها، فتتكاثر وتنقسم بشكل سريع للغاية أكثر من الخلية الطبيعية، ويصبح من الصعب السيطرة عليه من قبل الجهاز المناعي في الجسم.
«سيدتي» عقدت ندوة طبية توعوية عن سرطان الثدي في
مستشفى جامعة الملك عبد العزيز بجدة والتقت بعدد من الأطباء المتخصّصين لتسليط
الضوء على طرق الوقاية ومراحل العلاج، مع الإشارة إلى أن ارتفاع نسبة الإصابة
وتزايدها من عام إلى آخر في المملكة العربية السعودية يعود إلى شبه غياب الكشف
المبكر وتدنّي نسبته. وثمة استراتيجية حالية للتوعية حول سرطان الثدي داخل المملكة
تختلف عن الحملات السابقة وتركّز على القطاع الطبي، إلى جانب شرائح المجتمع التي
كانت الحملات موجّهة إليها سابقاً، وذلك بعد جملة من الدراسات التي خلصت إلى أنه
تقع على عاتق الأطباء مسؤولية فحص الثدي للسيدات اللواتي يزرن العيادات الطبية،
سواء بغرض العلاج أو متابعة الحمل والولادة، بالإضافة إلى توضيح أهمية الكشف
المنزلي أو لدى الطبيب المتخصّص.
أعدّت الندوة وأدارتها: دارين جلال وهالة أحمد ـ جدة. إشراف: نسرين حمود ـ تصوير: مروان الجهني
المشاركون في هذه الندوة:
البروفيسور حسن صالح جمال
الدكتور محمود شاهين
الدكتورة سامية العمودي
الدكتور وائل محمد عياد
الدكتورة دعاء خليفة
الإختصاصية الإجتماعية فايزة حلواني
إستهلّ الأستاذ والإستشاري في الأمراض الباطنية والأورام وعميد كلية الطب في جامعة الملك عبد العزيز في جدة الدكتور محمود شاهين مداخلته، بشرح أبرز العوامل المؤدّية إلى الإصابة بسرطان الثدي، والتي تنقسم إلى عوامل داخلية في الجسم وعوامل خارجية. وعدّد العوامل الداخلية، بـ: العيوب الخلقية في الجينات المكوّنة للجهاز المناعي، وهي وراثية وتسمّى LYNCH، والخلل في جينات BRC1 وBRC2 (الجين المحبط للخلايا السرطانية) والتي تصيب بعض العائلات لترتفع نسبة الإصابة في العائلة الواحدة إلى 50% ومن 70 إلى 80% إذا ما أصيبت سيدتان من العائلة عينها، ناصحاً فتيات العائلة التي يعاني أحد أفرادها من هذه المشكلة بالكشف من سنّ 25 عاماً. ويضيف: «من بين العوامل الداخلية المسؤولة أيضاً: البلوغ المبكر وانقطاع الدورة الشهرية والهرمونات البديلة التي تعطى بعد أو قرب انقطاع الدورة الشهرية والتي غالباً ما يتمّ استخدامها بدون إشراف طبّي». أما العوامل الخارجية، حسب شاهين، فتتمثّل في نوعية الغذاء وقلّة ممارسة النشاط الرياضي والضغوط النفسية وتناول حبوب منع الحمل.
ويؤكّد الدكتور شاهين «أن 70% من الحالات تزور عيادة الطبيب، بعد أن يكون السرطان في مراحله المتقدّمة. لذا، فإن نسبة الشفاء على مستوى المملكة العربية السعودية هي أقل من الدول الغربية لعدم القدرة في التحكّم بالمرض، ما يعود أساساً إلى النقص في الوعي».
دور القطاع الطبي
ومن جانبها، تشرح الإستشارية في أمراض النساء والتوليد والعقم وأطفال الأنابيب وعضو هيئة التدريس في جامعة الملك عبد العزيز في جدة الدكتورة سامية العمودي «أن الإختلاف بين الحملة الحالية الخاصّة بالتوعية حول سرطان الثدي والحملات السابقة يكمن في تركيزنا على القطاع الطبي، إلى جانب شرائح المجتمع التي كانت الحملات موجّهة إليها سابقاً، وذلك لاكتشافنا بعد جملة من الدراسات أنه تقع على الأطباء بعض المسؤولية في ارتفاع عدد المصابات، وذلك كونهم مقصّرين في القيام بعملية فحص الثدي للسيدات اللواتي يزرن العيادات الطبية، سواء بغرض العلاج أو متابعة الحمل والولادة، بالإضافة إلى توضيح أهمية الكشف المنزلي أو لدى الطبيب المتخصّص وملاحظة أية تغييرات في منطقة الثدي سواء للسيدة أو الفتاة، كحجم الثدي، تغيير في اللون أو الطفح الجلدي، تغيير في جلد الثدي كظهور تجاعيد أو نقرات في الجلد أو تورّم...». وتشير إلى أهمية الكشف المبكر الذي يرفع نسبة الشفاء إلى 95% بدون أي علاج كيميائي أو إشعاعي، والذي يتمثّل في استئصال الورم حصراً. وتضيف: «تختلف مدّة العلاج حسب كل حالة وحسب مراحل المرض، فخلال المرحلتين الأولى والثانية، غالباً ما يتمّ العلاج عبر الإستئصال الجراحي أولاً، ثم استخدام علاجات مساندة لرفع نسبة الشفاء. وهنا، يلجأ الطبيب للعلاج الهرموني أو المناعي أو الكيميائي أو الإشعاعي، ويتمّ تحديد ذلك بناءً على نوع تفاصيل الخلايا ومستقبلاتها. أما المرحلة الثالثة، فتتلخّص في قيام الطبيب المعالج بالبدء بعلاجات تعمل على تصغير حجم الورم، ثم إجراء عملية لاستئصال الكتلة فقط وليس الثدي بالكامل».
فرصة أكبر للحمل والإنجاب
ويشير الأستاذ في طب وجراحة أمراض النساء والولادة والعقم وأطفال الأنابيب ورئيس الرابطة العربية لأمراض النساء والولادة البروفيسور حسن صالح جمال في مداخلته إلى وجود مراحل أربع لسرطان الثدي، هي على الشكل التالي: خلال المرحلة الأولى، تظهر كتلة صغيرة للغاية. وخلال المرحلة الثانية، ينتقل السرطان إلى الغدد اللمفاوية. أما خلال المرحلة الثالثة، فيكون حجم الكتلة أو الورم أكبر من
5 سنتيمترات وينتشر في الغدد اللمفاوية تحت الإبط أو ما حوله أو في الجلد. وخلال المرحلة الرابعة، ينتشر المرض في أماكن عدّة في الجسم.
ويؤكّد البروفيسور جمال «أن العلاج الكيميائي يؤثّر على الخصوبة والحمل لدى المرأة، علماً أن نسبة الإصابة بسرطان الثدي بين من لم يتجاوزن 40 عاماً في السعودية تبلغ 30% مقارنة بـ 7% في الدول الأوروبية والأميركية»، مضيفاً «أنه يتمّ التركيز حالياً في الأبحاث الجديدة على كيفية الحمل والإنجاب سواء بعد عملية الإستئصال أو تناول العلاج الكيميائي، علماً أنه لا ينبغي على المرأة الإنجاب سوى بعد استشارة الطبيب المتخصّص الذي يقيّم الحالة ويوضّح لها بناء على حالتها وطريقة العلاج التي خضعت لها متى يمكنها الإنجاب، لأن استخدامها لبعض الأدوية يؤدّي إلى تشوّه الجنين. ويعدّ تجميد خزعات من المبيض جديد الطب حالياً، ما يتيح الفرصة للسيدات الراغبات في الحمل لتحقيق رغبتهن بعد إصابتهن بالمرض، وذلك لتأثير العلاج الإشعاعي والكيميائي على وظيفة المبيض لديهن، وغالباً ما يتمّ الأمر في صفوف الفتيات صغيرات السن».
مظهر طبيعي بدون أثر للجراحة
ومن الناحية التجميلية، يرى الإستشاري في الجراحة التجميلية في مستشفى سليمان فقيه في جدة الدكتور وائل محمد عياد «أن العمليات التجميلية التالية لاستئصال الأورام تمثّل 30% من نسبة المصابات بسرطان الثدي»، مضيفاً «أنه ينصح غالباً أن تلجأ المريضة إلى الجراحة التجميلية بعد استئصال الورم بفترة بسيطة، ما يتيح خيارات عدّة للعمليات التي من الممكن إجراؤها»، وموضحاً «أن الإستئصال، في هذه الحالة، يكون محدوداً والمساحة التي تمّت إزالتها من الثدي بسيطة تدع أنسجةً كثيرةً تفيد في الجراحة التجميلية، بالإضافة إلى أنه يقلّ استخدام أنسجة من الجسم، كما تكون المضاعفات أقلّ بعد العملية، فضلاً عن سرعة شفاء المريضة». ويذكر أنه «لدى حضور المريضة إلى العيادة، تنصح بتدخّل جرّاح التجميل خلال المراحل الأولى بعد استئصال الورم، وذلك تفادياً للطرق التعويضية في الجراحة واستخدام ثدي صناعي». ويضيف: «نعمد دائماً إلى وضع خطّة عمل علاجية، لكي لا نستخدم سوى أنسجة الجسم في أضيق الحدود. وعند استئصال جزء من الثدي، يفضّل استخدام عضلة من جسم المريضة لتخرج بعدها بدون الشعور بأي اختلاف في ثدييها لأن الإستئصال والتصحيح يكون في نفس الوقت. أما إذا كان حجم الإستئصال كبيراً، فتتمّ الإستعانة بعضلة جدار البطن السفلي كونها تعطي مساحة أنسجة أكبر»، متحدّثاً عن مضاعفات الثدي الصناعي الذي ترفضه بعض الأجسام.
ويتحدّث الدكتور عياد عن الجديد في مجال جراحات التجميل وترميم الثدي، والذي يتمثّل في الجراحة المجهرية التي تتمّ عن طريق نقل شريحة من أي مكان في جسم المريضة بالأوردة والشرايين، وزرعها في الثدي وتوصيلها بالأوردة والشرايين في منطقة الصدر أو الإبط. ويؤكّد «أنه في هذا النوع من العمليات تصبح الدورة الدموية أفضل والتئام الجروح أسرع، علماً أن هذه العملية تستغرق حوالي 3 ساعات ويمكن تنفيذها أثناء استئصال الورم، على أن تكون حالة المريضة العامة تسمح بذلك». ويشرح «أنه تلي مرحلة بناء الثدي، وذلك بعد ثلاثة أو أربعة أشهر، مرحلة عملية تجميلية لبناء حلمة الثدي، تتمّ عبر تناول شريحة من نفس الثدي وإبرازها إلى الخارج، ثم أخذ رقعة من داخل الفخذ كون لونه داكناً قليلاً. وإذا رفضت المريضة أخذ هذه الرقعة، يتمّ عمل وشم لهذه المنطقة، تفادياً لأن تشعر المريضة بأي فارق بعد إصابتها».
دور الزوج
بدورها، تشدّد الإختصاصية الإجتماعية فايزة حلواني على ضرورة التوضيح للمصابة أن سرطان الثدي هو كغيره من الأمراض التي يمكن الشفاء منها، خصوصاً مع الصعوبة التي تواجهها في مجابهة من حولها بحقيقة مرضها. ويتمّ العمل أيضاً مع أقارب المريضة، وخصوصاً الزوج، ليفهم طبيعة المرض والمراحل التي ستمرّ بها زوجته المصابة، فيقف إلى جانبها ويساندها ويشعرها بأنه شريك في أزمتها، ما ينعكس إيجاباً عليها في مواجهة المرض.
تأهيل وعلاج
من ناحية أخرى، تربط الإستشارية في الطب النفسي في جامعة الملك عبد العزيز الدكتورة دعاء خليفة بين الحالة النفسية والمناعة في الجسم عموماً، مؤكّدةً على أن العلاج النفسي لا يقلّ أهميةً عن العلاج الطبي، علماً أن هذا العلاج هو نفسي سلوكي ومعرفي يهدف إلى مساعدة المريضة وتأهيلها. وتؤكّد أن الهدف من الجلسات النفسية يتمثّل في بعث الطمأنينة في نفس السيدة، نظراً إلى أن إصابتها تجعلها تواجه حالة خوف، فضلاً عن مشكلات في علاقاتها الأسرية والبيئة المحيطة نتيجةً لعدم قدرتها على التكيّف مع الوضع.
توصيات الندوة
- إن دور الأطباء هامّ للغاية في هذا المجال. وتتمثّل استراتيجية حملة التوعية الحالية في المملكة العربية السعودية في توعية الأطباء ليحثّوا بدورهم المرضى على أهمية إجراء فحص الثدي. وخلال سنوات قليلة، سينعكس هذا الأمر إيجاباً على معدّلات الإكتشاف المبكر.
- إن كلمة رجل الدين في المجتمعات المحافظة تعزّز أهمية الكشف المبكر وتوجد الآلية الصحيحة، لأن بعض السيدات يمتنعن عن الكشف المبكر لغياب الطبيبة. وفي السعودية، عدد طبيبات الأشعة المؤهّلات قليل، وكذلك على مستوى العالم. لذا، إن إباحة هذا الأمر شرعاً يساعد كثيراً في دعم هذه القضية.
- إعداد نظام صحي منظّم يسمح للمرأة بالخضوع للفحص الدوري.
- التشديد على دور أطباء النساء والولادة في الكشف عن المريضات، خصوصاً من لديهن تاريخ عائلي بالإصابة.
- تكتشف السيدة بنفسها أكثر من 70% من الكتل وأورام الثدي. لذا، يعتبر الفحص الذاتي من أهم الطرق للإكتشاف المبكر.
- إن جلسات العلاج الجماعية لدعم الحالة النفسية، بالإضافة إلى جلسات العلاج الفردية تساعد كثيراً في مواجهة المرض.
- إن العلاج المكثّف لدى حدوث مرض نفسي شديد وحاد كاضطراب الكرب ما بعد الصدمة، يهدف إلى تحسين جودة الحياة لدى المريضات من الناحية الطبية والنفسية معاً.