تشتهر دولة «الأردن» عالمياً بأنها متحف مفتوح على أبرز الحضارات التاريخية القديمة وبجوّها المعتدل المناسب للسياحة خلال فصول السنة كافّة، ما يجعلها محطّ أنظار ملايين السياح الأوروبيين والعرب ومقصداً لهم، خصوصاً «وادي رام» الشهير بـ «وادي القمر» لتشابه تضاريسه الصحراوية والجبلية بتضاريس القمر إلى حدّ كبير، علماً أنّه شكّل في العام 1962 مكان تصوير فيلم «لورانس العرب».
يشرح مدير عام «هيئة تنشيط السياحة الأردنية» نايف الفايز «أنّه أُطلق على «الأردن» لقب «المتحف المفتوح» لكونها تقدّم منتجاً سياحياً غنياً ومتنوّعاً يعتمد في جوهره على التاريخ والحضارة، ابتداءً من «المدينة الوردية البتراء» إحدى عجائب الدنيا السبع ومدخل السائح إلى هذه الدولة. ويكمن سرّ عظمتها في أنها بنيت بأيدي أجدادنا العرب الأنباط البارعين، فنحتوا خزنة البتراء وبيوتهم وقبورهم ومعابدهم ومسارحهم في الصخر الوردي النادر والمتغيّر تحت أشعة الشمس نهاراً وضوء القمر ليلاً، مروراً بـ «جرش» الشهيرة بـ «مدينة الألف عمود» والتي تعتبر أكبر وأغنى مدينة رومانية في العالم وانطلق منها «مهرجان جرش الدولي للثقافة والفنون» الذي استمرّ بنجاح لمدّة ربع قرن تقريباً». ويضيف: «تنتشر في أراضي «الأردن» الشاسعة أجمل وأكبر القصور والقلاع الصحراوية التي تعود إلى حقبة الخلافة الإسلامية، ومن بين أشهرها: قصور المشتى وعمرة والحرانة». ويذكر أهميّة منطقة «أم الرصاص» عند المسيحيين والمسلمين و«جبل نيبو» الذي رأى منه النبي موسى عليه السلام الأراضي المقدّسة. ويعدّد مدن «الكرك» و«معان» و«السلط» التي تقبع فيها أقدم المقامات والأضرحة.
ويحظى البحر الميّت الواقع في أخفض بقعة على وجه الأرض، حسب الفايز، بمكانة سياحية رفيعة عالمياً لخصائصه الطبيعية الاستشفائية الفريدة من نوعها بفضل ملوحته الشديدة الغنية بالمعادن الطبيعية ودوره في علاج الأمراض الجلدية والتنفّسية المزمنة، فضلاً عن هوائه المميّز بوجود أعلى نسبة أوكسجين في العالم ما يساعد على الاسترخاء النفسي والجسدي».
وعن سر استقطاب الأردن لملايين الزوّار والسيّاح حتى في الأوقات السياسية والاقتصادية الصعبة، يقول الفايز: «نحاول بحملاتنا الدولية والعربية ترويج «الأردن» كمنتج سياحي منوّع بكنوزه الحضارية والطبيعية التي تستقطب كلاً من السائح الأوروبي المهتم بالآثار والحضارات القديمة، كما السائح العربي المهتم أكثر بالطبيعة والبحر والهدوء، ما يجعله يفضّل مدينة «العقبة» الساحلية التي تستقطب هواة السباحة والغطس والصيد وقيادة اليخوت والقوارب و«البحر الميّت». ويؤكّد «أن السياحة تحتلّ بعائداتها العالية المرتبة الثانية في الاقتصاد الوطني، محقّقة 3 مليارات دولار سنوياً بعد تحويلات المغتربين».
مناخه...
يمتاز مناخ «وادي رام» بالاعتدال في الصيف والشتاء، إلا أنّ أفضل أوقات التخييم في الصحراء غالباً ما تكون خلال الربيع والخريف والصيف، لأن البرودة تتضاعف في الصحراء كثيراً في فصل الشتاء فيضطرّ آلاف السياح للنوم في الفنادق بعد تمتّعهم بمزايا «رام» نهاراً فقط.
مغامرة في «وادي رام»
حديث الفايز لـ «سيدتي» ولّد في داخلي رغبة الفرار من صخب وضغوط المدينة وسكّانها المهرولين وراء قوت يومهم نحو صحراء «وادي رام» العذراء المفتوحة مباشرةً عبر جبالها الشاهقة وقممها الجبلية على السماء. فركبت السيارة واتّجهت نحوها، وكنت كلّما أقترب منها أشعر بروحي تتحرّر من قيود الحياة والعمل والأهل والأصدقاء، ويخفت صوت كل شيء سوى صوت ذاتي التوّاقة للهدوء. وبعد أن قطعت 350 كيلومتراً من «عمّان» في 4 ساعات، وصلت «مخيم الكابتن»، وقد جعلت رائحة اللحم المشوي على الفحم شهيّتي في أوجّها!
وفي المساء، استمتعت مع زميلتين فرنسيتين بشرب الشاي العربي المعدّ على نيران الحطب، كما بليلة السمر ذات النكهة الشرقية الخالصة، خصوصاً حين بدأ أحد سكان المنطقة بالعزف على آلة العود ورافقه صديقه بغناء تراثي وشرع البدو برقص الدبكة بطريقة حماسية شجّعت السيّاح الأجانب على الرقص معهم فتأوّهت الرمال الناعمة تحت وقع أقدامهم، فيما الجبال تحيطهم بحنان!
ومع انبلاج الفجر، انطلقت في رحلة سفاري لرؤية أكبر قدر ممكن من تضاريس وسفوح الوادي الجبلية والرملية النابتة في عظمة. وفي اليوم الثالث، كنت محظوظة بمتابعة عروض المناطيد الملوّنة التي زخرفت السماء، إلى جانب هواة التحليق بالطائرات الشراعية الصغيرة، وفي طريقي زرت «محمية رام» الغنية بوجود عشرات الحيوانات النادرة المهدّدة بالانقراض.
وتجدر الإشارة إلى إمكانية ممارسة النشاطات التالية: ركوب الخيل والهجن وتسلّق الجبال والتمتّع بالطبيعة، في «وادي رام».
40 مخيماً
وينتشر في «وادي رام» حوالي 40 مخيماً تقدّم جميعها خدمات الطعام والمبيت، إلا أن «مخيم القبطان الصحراوي» الذي يتّسع لحوالي 800 سائح هو الأعلى سعراً، كما أكّد لنا صاحبه مدرّب الغوص السابق رفيق زكارنه، لتمتّعه بعناصر الراحة والرفاهية. لذا، صنّف من الدرجة الأولى، ويشتهر بسمعته الرفيعة في مجال إقامة أكبر حفلات الشواء والسمر في الصحراء على أنغام الموسيقى العربية.