قديماً ردّ أحد الحكماء جواباً على سؤال طفله الصغير فقال:" لم يعلمني أبي كيف أعيش، ولكنه تركني أراه كيف يعيش؟ وكان سؤال الإبن: كيف تعلمت كل هذا يا أبي؟! واليوم تؤكد كل الأبحاث التربوية والدراسات النفسية؛ أن تأثير الآباء كبير على سلوك وأفكار أبنائهم؛ فهم يصدقونهم وكأنهم القدوة ومركز الضوء وقت يشعرون بالظلام؛ يقلدونهم فيما يفعلون وما يقولون، حتى ردود أفعالهم تجاه الأشخاص أو الأحداث يقتبسونها وكأنها حقائق لا تحتاج لتفسير أو صواب لا يحتمل الشك.
من هنا كان لتأثير الآباء على أطفالهم أهمية كبيرة، وكانت الضرورة لأن يتحلى الآباء بصفات تحمل القيم والعادات والسلوكيات الطيبة، فيقلدها الطفل وتلازمه مستقبلاً.
اللقاء وأستاذ طب النفس التربوي الدكتور محمد حسن الشاذلي للشرح والتفسير.
سلوكيات الآباء..يقلدها الأبناء
للآباء سمات مختلفة يتسمون بها، وهي تُنقل مباشرة لأطفالهم سلبية كانت أو إيجابية، وإذا رغبنا أن يفعل الطفل سلوكاً ما، على الأب أو الأم أن تريه هذا السلوك وهي تتعامل معه، فينقله عنها دون عناء، الآباء هم القدوة وأساس التربية.
السلوكيات التي يتعامل بها الأب والأم مع بعضهما ومع الآخرين أمام أطفالهما، تؤثر في مشاعرهم وتنعكس على سلوكياتهم؛ فالطفل يولد ويظل سنواته الأولى بلا أي خبرة، ولهذا يفترض أن كل ما يفعله الآباء هو الصواب، فيقوم بتقليدهم.
حتى وإن تعرض أحد الوالدين لمشاعر قوية من الاكتئاب والحزن، أو السعادة والفرح، فإن الطفل يتصرف بنفس الطريقة التي يتعامل بها والده مع هذه المشاعر.
كذلك الطريقة التي يأكل بها الأب والممارسات اليومية للأم عموماً، وكيفية اعتناء الأب أو الأم بمظهره؛ كلها تمثل لدى الطفل قواعد يتبعها بتفاصيلها وهو مغمض العينين.
بجانب ما ينطق به الأب من كلمات يستخدمها أثناء حديثه، فهي تؤثر في الطفل، وطريقة تفكيره أيضاً، وشعوره نحو نفسه ونحو الآخرين، بل وما يحمله من حب وتعاطف أو كره وعدم احترام لشخص ما يقلده الطفل.
ولهذا على الآباء استغلال هذا التأثير الكربوني، لمساعدة أطفالهم على إدارة سلوكهم، وتحسين أخلاقهم، ونمو علاقاتهم بمن حولهم فهي -مجتمعة- بمثابة الدرع الواقي لهم في مجابهة الحياة من حولهم اليوم ومستقبلاً.
الأبوة الصارمة وراء اكتئاب المراهق!
أنواع الأبوة الأربعة
الأبوة الاستبدادية:
يفرض هذا النمط من الآباء إتباع الأطفال للقواعد الصارمة، ويعاقبون إذا خالفوها، وهؤلاء الآباء لا يشرحون لأطفالهم أسباب وجود هذه القواعد؛ حتى وإن طلب الأطفال الشرح.
ودائماً ما يتوقعون من أبنائهم أن يكونوا مثاليين، ولا يرتكبوا أي أخطاء، مع عدم تقديم نصائح وإرشادات حول كيفية فعل ذلك، وعند العقاب فإنهم يعاقبون أطفالهم بقسوة، وغالباً ما يترك الطفل المعاقب من غير معرفة لخطئه الذي سبب له العقاب.
الأبوة الموثقة:
هذا النمط أكثر ديمقراطية من السابق، ولكنهم يضعون قواعدَ ونهجاً للسلوك الواجب على الأبناء اتباعه، إلا أنهم منفتحون أكثر للاستماع إلى أسئلة الأبناء، ويقدمون الرعاية والدفء والدعم الكافي، وهم أكثر تسامحاً بدلاً من العقاب، أي أنهم حازمون وأساليبهم التأديبية داعمة وليست عقابية.
الأبوة المتساهلة:
عادة ما يسمى الآباء من هذا النمط "بالمتسامحين"؛ فهم يطلبون القليل جداً فقط من أبنائهم، ونادراً ما يؤدبونهم، ويعود ذلك لانخفاض توقعاتهم بخصوص النضج وضبط الذات، ويتواصل الأبوان بكثرة مع صغارهما، وفي غالب الأوقات يحتلان منزلة الصديقين لأطفالهما وليس منزلة الآباء.
الأبوة غير المتورطة:
بمعنى آخر "الأبوة المهملة"؛ وتتسم بالمطالب القليلة والاستجابة المنخفضة، والقليل من التواصل، ويلبي الآباء من هذا النوع احتياجات الأطفال الأساسية، ولكنهم ينفصلون عن حياة أطفالهم، ويتركونهم من غير نصائح وتوجيهات.
أشكال تأثير الآباء على سلوك الأبناء
- السلوكيات الاجتماعية: يتعلم الأطفال كل أنماط السلوك الاجتماعي من الوالدين؛ بدءاً من قول "من فضلكً" و "شكراً"، وحتى كيفية الوقوف والتحدث مع الآخرين، وإذا كان الآباء انطوائيين فكذلك يكون الإبن انطوائياً في غالب الأوقات.
- التعامل مع المشاعر: عندما يصاب الآباء بالإجهاد مثلاً فإن طريقة تعاملهم مع هذا الشعور سواء كانت سلبية أم إيجابية، فإنها تؤثر على طريقة تصرف الطفل أمام هذا الشعور.
- شجار الآباء: إذا كان الوالدان يختلفان بشكل ناضج أمام أطفالهما، ويسويان المشكلات الأكبر والأكثر تحدياً بعيداً عنهم، فإن ذلك سيسمح للأطفال برؤية الطريقة الصحيحة للتعامل مع النزاعات وحلها، ولكن إبداء الوجه الآخر للنزاعات، والسماح للعنف والألفاظ الشديدة بتسيد الموقف تسبب صدمة لدى الأطفال، وترسّخ لديهم عنفاً مكبوتاً يتفجر لاحقاً بصور أخرى.
- العمل والنظرة للحياة: لا تتوقف رؤية الأبناء على نمط واحد يقلدونه ويرفضون آخر، فهم متقبلون لكل سلوك يقوم به الأب أو الأم، ويعتبرونه القدوة لهم في حياتهم؛ حتى نظرة الأب للحياة والعمل، فإن شاهدوه يقوم بعمله بدقة وأمانة وصدق وإخلاص وفي موعده، قلده الإبن وفعل مثله في مدرسته، والعكس؛ فإن وجد الطفل والديه لا يحترمان عملهما، ويقصران في أدائه، والأب يغالط نفسه إن أخطا ويرمي بالتهمة على الآخرين، فعلوا مثله.
سلوكيات على الآباء التمسك بها
- التوقف عن الصراخ أمام الطفل، فهذا التفاعل السلبي مع الخطأ، سوف يُنقل ويتعلمه الطفل وسيتفاعل بنفس الطريقة عند الكبر، أنت هنا بسلوكك تدمر شخصية طفلك، وتجعله أكثر عدوانية، وسيتورط في مشاكل اجتماعية لا حصر لها، تقليداً لك.
- تجنب السلوكيات القاسية فهي تسبب الاكتئاب للأطفال، كما أن الصراخ والترهيب من جانب يجعل الأطفال منغلقين على أنفسهم، كما أن اللجوء إلى الصفع أو تعنيف الطفل أو العقاب البدني بشكل عام، قد يتسبب في إيذاء الطفل نفسياً -ليس له أصدقاء-.
- عدم إثارة أي خلافات زوجية أمام الأبناء؛ لأن المعارك اللفظية والجسدية تؤثر على الصحة النفسية للأطفال، مع العمل على فتح قنوات اتصال بينك وبين طفلك، واستعد للإجابة على أي سؤال يطرحه بقدر المستطاع.
- لا تجعل حبك لطفلك يعتمد على معايير مشروطة، فهو من أكبر أخطاء الآباء، إذ يجب عدم تكبير أخطاء الطفل ولومه عليها وخصامه؛ الآباء يحبون دون شروط أو مميزات خاصة للإبن، إنما يصلحونه تدريجياً.
ملاحظة من"سيدتي نت": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.