الخوف من التقدم في السن، أو ما يُعرف أحياناً بـ"رُهاب الشيخوخة" أو "جيراسوفوبيا"، هو شعور يواجهه العديد من الأفراد في مراحل مختلفة من حياتهم. يرتبط هذا الخوف غالباً بالتغيّرات الجسدية والعقلية التي تصاحب التقدُّم في السن، وبفقدان الحيوية والشباب، وكذلك بالخوف من الموت واعتلال الصحة. يلعب المجتمع دوراً كبيراً في تعزيز هذا الخوف؛ حيث يُمجد الشباب ويعتبر التقدُّم في العمر عبئاً أو نقصاً، كما توضح الاختصاصية في علم النفس الاجتماعي والبرمجة اللغوية العصبية في العلاج الإيحائي وفي العلاج بخط الزمن، أزنيف بولاطيان لـ«سيدتي».
التغيّرات الجسدية وتأثيرها النفسي
مع تقدُّم الإنسان في السن، تبدأ بعض التغيّرات الجسدية بالظهور، مثل: التجاعيد، فقدان اللياقة البدنية، ظهور الشعر الأبيض، وضعف البصر أو السمع. هذه التغيّرات قد تؤثر على ثقة الشخص بنفسه، وتجعله يشعر بأنه لم يعُد جذاباً كما كان. في الثقافات التي تعطي قيمة كبيرة للجمال والشباب، قد يُنظر إلى هذه التغيّرات على أنها سلبية؛ مما يَزيد من الخوف من فقدان المكانة الاجتماعية.
لكن ما يغيب عن الكثيرين، هو أن التقدُّم في السن يمكن أن يجلب أيضاً حِكماً وتجارب حياتية قيّمة. فالعمر يعطي الناس فهماً أعمق للعالم ولأنفسهم، ويساهم في تكوين شخصية متوازنة وأكثر استقراراً.
الدَور المجتمعي والثقافي
يلعب المجتمع دوراً كبيراً في تعزيز الخوف من الشيخوخة. فالإعلانات، الأفلام، ووسائل التواصل الاجتماعي تمجد الشباب بشكل مبالَغ فيه، وتَعتبر الشيخوخة فترة تَدَهْور؛ مما يجعل الناس يشعرون بالضغوط لمحاربة التقدُّم في السن بأيّة وسيلة. نرى هذا في الانتشار الواسع لعمليات التجميل مثل: شدّ الوجه، حقن البوتوكس، وغيرها من الإجراءات التي تهدف إلى "إخفاء" آثار الشيخوخة.
في المقابل، توجد ثقافات أخرى تقدّر كبار السن وتعتبرهم مصدراً للحكمة والخبرة. في هذه المجتمعات، يُنظر إلى الشيخوخة على أنها مرحلة طبيعية ومهمة من مراحل الحياة، وتُعتبر جزءاً من مسيرة النموّ الشخصي.
من المفيد الاطلاع على سرطان الثدي: الإيجابية مرساة أمان.
الخوف من الفناء
الخوف من التقدم في السن مرتبط بشكل كبير بالخوف من الموت. الكثيرون يعتبرون الشيخوخة مقدمة للموت؛ مما يجعلهم يشعرون بالقلق والتوتر كلما زادت أعمارهم. هذا الشعور بالخوف من الموت، يمكن أن يدفع البعض إلى البحث عن طرق تُبقيهم شباباً، سواء من خلال اتباع أنظمة غذائية صحية، أو ممارسة التمارين الرياضية، أو حتى اللجوء إلى تقنيات طبية متطوّرة.
لكن الخوف من الموت ليس أمراً حتمياً. الكثيرون يجدون في الشيخوخة فرصة للتأمل والتصالح مع فكرة الفناء؛ حيث يرَونها مرحلة طبيعية من الحياة. من خلال هذا التصالح، يمكن للأفراد أن يتغلبوا على هذا الخوف ويعيشوا حياتهم بشكل أكثر توازناً وراحة.
التغيّرات النفسية والاجتماعية
إلى جانب التغيّرات الجسدية، يواجه الأشخاص المتقدمون في السن تحديات نفسية واجتماعية، مثل: فقدان الأصدقاء أو أفراد الأسرة، التقاعد، والشعور بالعزلة أو الانفصال عن المجتمع. هذه التحديات قد تَزيد من الشعور بالخوف من التقدم في السن، وتجعل الفرد يشعر بأنه لم يعُد له دَور في المجتمع.
العديد من كبار السن يعانون من العزلة الاجتماعية بسبب فقدان التواصُل مع الأصدقاء أو الزملاء. التقاعد، على الرغم من أن التقاعد يُعتبر في كثير من الأحيان فرصة للراحة والاستمتاع بالحياة، إلا أنه يمكن أن يكون أيضاً مصدراً للقلق إذا لم يتم التعامل معه بشكل صحيح. البعض يشعر بأنه لم يعُد له دور فعال في المجتمع بعد التقاعد؛ مما يَزيد من الشعور بعدم الجدوى.
التصدّي للخوف من التقدم في السن
التصدّي للخوف من التقدم في السن يتطلب تغييراً في النظرة الفردية والمجتمعية للشيخوخة. يمكن للفرد أن يبدأ بتقبُّل حقيقة: أن التقدم في السن هو جزء لا يتجزأ من الحياة. من خلال هذا التقبُّل، يمكن أن يتعامل الفرد مع الشيخوخة بشكل أكثر إيجابية، ويركّز على الفوائد التي يمكن أن تجلبها هذه المرحلة من الحياة.
إلى جانب ذلك، يمكن تعزيز التواصل الاجتماعي وتقوية الروابط الأسرية لمكافحة الشعور بالعزلة. الأنشطة الاجتماعية والمشاركة في النوادي أو الجمعيات، يمكن أن تساعد في تقليل الشعور بالوحدة، وتحافظ على النشاط العقلي والجسدي للفرد.
الاهتمام بالصحة الجسدية والنفسية، يلعب دوراً مهماً في تخفيف الخوف من التقدم في السن. كما أن ممارسة الرياضة بانتظام، واتباع نظام غذائي صحي، يمكن أن يساهما في الحفاظ على اللياقة البدنية والنشاط. إلى جانب ذلك، يمكن للأفراد ممارسة تقنيات التأمل واليوغا؛ للمساعدة في تهدئة العقل وتخفيف القلق المرتبط بالشيخوخة.
الخوف من التقدم في السن: خلاصة
الخوف من التقدُّم في السن هو شعور طبيعي يشعر به العديد من الأفراد في مراحل مختلفة من حياتهم. لكن من المهم أن نتذكر أن الشيخوخة ليست مرحلة تَدَهْور؛ بل هي فرصة للنموّ الشخصي والتأمل. من خلال التقبُّل والتصالح مع هذه المرحلة، يمكن للفرد أن يعيش حياته براحة أكبر، ويستفيد من كلّ ما تقدّمه الحياة في كلّ مرحلة منها.
يُنصح بالاطلاع على: تمارين خفيفة لشدّ البطن أثناء مشاهدة التلفاز وفق اختصاصية.
* ملاحظة من «سيدتي»: قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، تجب استشارة طبيب مختص.