المعاملة الحسنة

الدكتورة مايا الهواري
مايا الهواري  
مايا الهواري  

المعاملة الحسنة زهرة فوّاحة تنشر عبقها لكلّ من حولها، هي واجبٌ شرعيّ حثّنا عليه الإسلام، وقد أمرنا الله تعالى بالقول والخُلُق الحسن، وبشاشة الوجه، والنّبيّ الكريم أكبر مثالٍ على حُسن الخُلق، إذ عُرِف بحُسنِ تعامله مع الجميع، بل ومع أعدائه قبل أصدقائه، وعندما اتّهمه كفّار قريش بالجنون والسّحرِ كان جوابه عليه الصّلاة والسّلام قول الله تعالى: (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الرّاحمين)، وكان ذلك سبيلاً لاعترافهم بخُلقه السّامي وتعامله الرّاقي، ما يجعلنا نحذو حذوه، نتّخذه قدوتنا فنتعامل مع الجميع بالحُسنى، سواء أكنّا بالعمل أم المنزل أم مع النّاس في الشّارع، قال تعالى: (وقولوا للنّاس حسناً)، فحُسن المعاملة يحتاجه الموظّف، لأنّه من أكثر الأشخاص تعاملاً مع النّاس، مع رؤسائه، مرؤوسيه، زملائه، المراجعين، ومتى سادت روح الإيجابيّة والأخلاق في العلاقات انتشرت المحبّة والألفة.

البعض يمتلك شخصيّة سلبيّة ويفتقر لروح التّفاؤل والتّعامل الحسن، ما يجعل علاقتهم مع من حولهم ساذجة، غير لائقة، في حين نجد آخرين يعاملون من يقابلهم بأسلوبٍ راقٍ، فإن كان الشّخص المُقابَل ذو أسلوبٍ سيّء سعى الشّخص المقابِل جاهداً لتغيير سلوك الأوّل وتحسين تصرّفاته للأفضل من خلال الأفعال، فهي تنقل رسالة مميّزة تعمل على بثّ الإحسان والفضيلة للمحيطين، لأنّه لو تعاملَ كلّ إنسانٍ مع الآخرين بأسلوبهم السّلبي لتفشّى الحقد والبغضاء لما يرسله هذا الأسلوب من ذبذبات تجعل ردّة الأفعال غير لائقة، وبالمقابل نجد أنّ مقابلة الفعل الرّديء بالحَسن والابتسامة اللّطيفة، والاحترام، والمخاطبة الرّاقية بالإضافة لانتقاء كلمات جذّابة سيجعل الآخر خجلاً من تصرّفاته وعباراته، وسيرى نفسه صغيراً مكبّلاً لا يمتلك أسلوباً مقنعاً للرّد، فليس من المعقول مقابلة الوجه البشوش والثّغر الباسم والكلمات المهذّبة إلا بمثلها، ما يضطرّه خلال لحظاتٍ سريعة لإعادة شريط تصرّفاته ليتدارك الموقف بكل ذكاء، ومن هنا نجد أنّ اللّطف مفتاحٌ لجميع الأبواب المغلقة، والإنسان عندما يتعامل مع الآخرين يعدّ نفسه أنّ الله تعالى سيعامله كما يعامل النّاس، فيتصرّف على هذا الأساس، ولا يردّ الإساءة بمثلها ولا الظّلم بظلمٍ، بل يكون عوناً لخصمه على خطئه، فكلّ معروف صدقة، ويعمل جاهداً للمحافظة على العلاقات من الانقطاع، حتّى وإن كان ما يربطهم شعرة رقيقة، إن هم مدّوها أرخاها حتّى لا تنقطع، وإن هم أرخوها مدّها بدوره، فالمعاملة الطّيّبة هي جواز المرور لقلوب الجميع، كما أنّ الأخلاق والمعاملة الحسنة بوّابة السّعادة، وبالحكمة والعقل والذّوق الرّفيع نصل لعقول وقلوب البشر، فتغدو الحياة شمساً مضيئة تنير حياتهم بما يُسعدهم، فالمعاملة الحسنة هي نبراسٌ لحامله.