(هذا الرجل لا يشبه أحلامي).. ترى كم من امرأة صرخت بهذه العبارة في داخلها بوجع واحترقت بها وحيدة، بينما هي تدقق النظر في رجل يطلق عليه الناس نصفها الآخر، رجل يختلف عنها في كل شيء؛ كأنه النسخة المناقضة لها على الأرض، رجل تشعر في وجوده بالغربة وتشتاق إلى وطن آمن، رجل بينها وبينه فراغات معتمة كالليل، رجل تفصلها عنه مساحات نفسية مرعبة، رجل تؤدي دورها أمامه كأنها تقف على خشبة مسرح بارد، رجل لا يشعر بارتجاف روحها حين تحتاج للدفء، رجل يحب ما تكره، ويكره ما تحب، رجل وهنت وهي تحاول أن تجعله الأفضل، وسقطت كثيراً وهي تحاول أن ترفعه للقمة، رجل لا يجيد لغة الحب ولا لغة الاحترام، رجل يعتبر الأحلام جنوناً، والأمنيات مهنة الفارغين، رجل يسخر من مناسباتها الجميلة، ويعتبر الاحتفالات الخاصة مراهقة متأخرة، رجل لا يجيد انتقاء ألفاظه، ويخفق دائماً في انتقاء مواقفه أمامها، رجل يمارس الصمت في كل طقوسه، ويمارس الغضب في كل طقوسها، رجل يسخر من رغبتها في الجري على رمال الشواطئ، ويسخر من أمنيتها بصعود أرجوحة من الحبال، ويستنكر حلمها بركوب دراجة هوائية، رجل يستعجلها عند التسوق بإلحاح مؤذٍ، ويتأفف عند وقوفها أمام أرفف المكتبة، رجل يرى أن الجلوس في السينما إضاعة وقت، وأن السهر في الشرفات تفاهة السهارى، رجل لا يلتقي معها سوى في تلك اللحظة التي تنفر منها روحها بشدة، بينما يتظاهر جسدها بالقبول؛ كي تبحر السفينة بهما بسلام..
فكم من أنثى صرخت في داخلها: هذا الرجل لا يشبه أحلامي، لا يشبه ذلك الفارس الذي كان يتجول معي في غابات الخيال؛ حين كنت أغمض عيني قبل النوم، ولا يشبه ذلك البطل الذي كان يتسرب من رواية كاتبي المفضل؛ ليغرس في ضفيرتي وردة بيضاء، ولا يشبه ذلك العاشق الذي تمنيتُ أن يعزف لي تحت شرفتي لحن حب في أمسيات الصيف المفعمة بالحنين.
قبل النهاية بقليل:
حين ننتقي تلك الأحلام التي لا تشبهنا، فنحن نتحول مع الوقت إلى كتلة من ندم، شبيهة بجدار عازل بيننا وبين الحياة..
*******