من سرق أنف بينوكيو من وجوههم؟
تلك الأداة التي تكشف لنا مساحة الكذب في أحاديثهم ومواقفهم معنا، كما كنا نظن في طفولتنا، حين كان بينوكيو مجرد دمية خشبية أو كرتونية، يزداد أنفها طولاً كلما كذبت في أمر ما، فكنا نتحسس أنوفنا الصغيرة ببراءة عند اللجوء إلى الكذب كي نتأكد أنها لم تصبح أطول كأنف بينوكيو!
لكن بينوكيو لم يعد مجرد دمية، ولا شخصية خرافية كما ظننا!
فهو غادر القصص الورقية منذ زمن، وتسلل إلى عالمنا الحقيقي بأدوار وشخصيات مختلفة!
ففي حياة أغلبنا يوجد بينوكيو، إنسان يجيد تدوير الكذب، وتغيير ملامحه، وتحويله إلى أعذار يصنع منها حكاية ملونة، ثم يغادر محيطنا بسهولة تامة، دون أن يستوقفه أحدنا ليخبره أن أنفه أصبح بعد الحكاية أطول مما كان عليه قبلها!
لكنه لا يلبث أن يعود إلينا في موقف آخر، وكذبة أخرى، وشخصية جديدة تختلف عن تلك التي غادر بها..
فهو قد يدخل حياتنا على هيئة صديق تخلى عن صدقه القديم وصفته القديمة، أو زميل عمل يهوى زخرفة الأحاديث ونقلها بكلمات ومعان مختلفة، أو رفيق طفولة حين كبر جردته الأيام من براءته، أو كاتب يعيش تناقضاته المرعبة بين حياته الحقيقية وحياته على الورق، أو شخصية اجتماعية مؤثرة تبيع الخيال وتزرع الوهم في الطرقات كي تبدو الأفضل، أو مشهور يتفنن بإظهار الجانب الأجمل منه ومن حياته..
إنهم يمارسون كل ذلك التناقض دون أن تتغير ملامحهم أو يزداد طول أنوفهم!
فهل لاحظتم يوماً غياب أنف بينوكيو من وجهه؟ وأنه أصبح يكذب دون أن نكتشف كذبه، ويسرد علينا الكثير من الحكايات المزيفة دون أن ننتبه إلى تناقض أحداثها، ونتقبل منه تلك الأعذار الواهنة دون أن ينبهنا طول أنفه إلى حجم الكذب في أحاديثه ومواقفه، ودون أن نستوقفه أو نقاطعه كي نخبره أن حجم أنفه يزداد طولاً!
قبل النهاية بقليل:
ليت أنوفهم كانت شبيهة بأنف بينوكيو، ليسردوا علينا الصدق، ويختفى الكذب من العالم!
