ها قد اختلفت مواقعنا، وأصبح كلٌ منّا على ضِفة مختلفة من الأرض؛ فهل أطلق أمامك الآن أَسر تلك الأسئلة الصفراء التي فقدت لونها الحقيقي، وتحولت مع الوقت إلى متاهة مغلقة، كتلك المتاهات التي كلما جربنا الخروج منها اكتشفنا أننا انتقينا الباب الخطأ؛ فنعود لتكرار حالة التوهان والضياع، ومحاولة البحث عن الباب الصحيح مرة أخرى!
فأخبرني الآن.. لماذا كان يحب أن أغادر حياتك كي أتحول في ديوانك إلى قصيدة حزينة؟ لماذا كان من الصعب أن أتحول إلى أبيات شعرية دون أن أمر بمراحل الرحيل الموجعة؟ لماذا كان من الصعب أن أتحول في حكايتك إلى وطن، قبل أن أتحول إلى منفى؟
لماذا كان يجب أن أكون حكاية فاشلة كي أتحول إلى مجموعة من الأطلال، يشدك الحنين إليها كلما خذلك الوقت والقلب والرفاق؟
أخبرني لماذا يهوى الشعراء والكُتاب الفراق؟ وكأنه فتيل إبداعهم ولحظة الاشتعال التي لن يضيئوا بعدها أبداً.
أخبرني ماذا كان سيضير هذا العالم لو أن حكايتنا وصلت إلى الشاطئ الأخير دون أن تحطمها الأمواج؟
ماذا كان سيضير هذا العالم لو أن سفينة أحلامنا وصلت جزر الفرح دون أن تسحبها أمواج الحياة بعيداً؟
ماذا كان سيضير هذا العالم لو أن أطفال دفاتري غادروا تلك الكراسات التي رسمتهم على صفحاتها وهم بكامل نموهم؟
أخبرني لماذا تمسكتُ بك كل هذا العمر؟ وتحايلتُ على الوقت قدر استطاعتي كي أهربك معي من بوابة أمسي إلى بوابة غدي، ومن ماضيّ إلى حاضري؟
لماذا أعلنتُك أمامهم كخرافة جديدة، ثم حولتك إلى تمثال من التمر، كلما شعرتُ بجوع الحنين.. تناولتك!
لماذا أخفيتك تحت عباءتي كي أغافلهم وأعبر بك مراحل العمر بسلام، كما كانت جدتي تفعل في طفولتي معي؟
لماذا لم أتركك في الصفحات القديمة من العمر، مع تلك التفاصيل القديمة التي تركتها خلفي، وتفننت في إنكارها؟
لماذا لم أحوّلك إلى مجرد حرف محفور على جذع شجرة عتيقة، حفَر العشاق عليها أول حروفهم، وتبادلوا العهود والوعود، ثم مضى كلٌ منهم في طريقه، وكأن تلك الحكايات المهجورة لم تكن يوماً مضاءة بالأحلام، والأمنيات، والحياة!
قبل النهاية بقليل:
تؤلمنا تلك الفراغات كثيراً؛ فبينما نمضي نحن بالأسئلة، يمضون هم بالإجابات!