علاقة الكاتب بالقارئ هي علاقة خاصة وقديمة جداً، بدأت منذ أن اكتشف هذا العالم (القراءة والكتابة)، ثم اتضحت ملامح هذه العلاقة أكثر حين قرر أحدهم أن يدوّن ما يشعر به؛ ليقرأ الآخرون ما كتب، فأصبحت هناك روح تكتب وأخرى تقرأ، وتحولت صفحات الكتب والمواسم الأدبية التي تحتفي بالإصدارات الجديدة إلى ملتقى للأرواح العاشقة للكتابة والقراءة..
وقد دفعني إيماني بأن الأرواح القارئة هي الأكثر أهمية من الأرواح الكاتبة، إلى ارتياد معارض الكتب بصفة (قارئة) فقط، والتجول بين الكتب لساعات طويلة بحثاً عن الكتب الحقيقية، والكُتاب الحقيقيون، الكُتاب الذين يُشعرك وجودهم في العالم بالأمان والاطمئنان بأن الأدب الحقيقي لم ينقرض، وأن الشعر الحقيقي لم ينته، وأن الإبداع القَيّم لن يختفي تحت مجموعة من الفقاعات التي تنهمر عليه بين فترة وأخرى..
لذا... ابحثوا في معارض الكتب عن الكاتب الحقيقي، الكاتب الذي يعرف قيمة كتاباته وأحاسيسه وأفكاره التي رسمها على صفحات الكتب، الكاتب الذي يحترم الأدب فلا يناقض نفسه، ولا يقف كي ينادي المشتري بصوت مرتفع كأنه يعرض بضاعته في سوق متنوع البضائع، الكاتب الذي لا يلوّح بكتابه وهو يقف بين مجموعة من الكتب المختلفة؛ كي يلفت انتباه المارة، الكاتب الذي لا يقطع طريقك؛ كي يحدثك عن إصداره الجديد ويعرضه عليك بطريقة إجبارية، الكاتب الذي لا يتحدث عن نفسه بصوت الغرور، ولا يثرثر بإنجازاته الأدبية بطريقة منفرة، ولا يتوهم أن قائمة النجاح تبدأ به وتنتهي به..
الكاتب الذي يزور المكتبات بفرح كأنها أحب الأوطان إلى قلبه،
ويتحدث عن الكتب كأنها أعظم إنجازات الإنسان على الأرض
ويصفق لنفسه حين ينجح بكتابة فقرة مبدعة،
ويغضب من نفسه حين يفقد أحد أبطال روايته، أو حين تكون نهاية الرواية حزينة، الكاتب الذي يبني بكتاباته مدناً فاضلة، ويبتكر لغة خاصة للمشاعر النبيلة، ويملك قدرة على صناعة الإنسان، ويؤمن أن بناء الإنسان هو بناء الأوطان، وأن القلم في يده أمانة كبرى يجب أن يؤديها على أكمل وجه..
ووحدهم الذين يعرفون أهمية الكتب، يدركون قيمة الكاتب الحقيقي..
قبل النهاية بقليل:
الحقيقيون عملة نادرة في كل المجالات!