لماذا أوهمونا أن «المهرج» كائن لا تطرق الأحزان أبوابه أبداً، وأنه يجوب طرقات المدينة كي يغني الفرح، ويتحرك كثيراً كي يمنحنا المرح الذي تحتاجه طفولتنا؟
لنكبر ونكتشف أن الصور الملونة لا تكون حقيقية دائماً، وأن للمهرج عالمه الخاص، وهمومه الأخرى، التي تدفعه للتستر قبل صعوده للمسرح وأداء دور المهرج السعيد أمام جمهوره.
لذا.. كان يغادر منزله في كل مساء؛ حاملاً في يده حقيبة متوسطة الحجم ترافقه منذ سنوات طويلة،
وضع فيها مجموعة من الألوان الصارخة، التي يرسم بها قناع وجهه، ويتفنن في تلطيخ وجنتيه بالكثير من الألوان؛ كي يُخفي الجزء الأكبر من ملامحه الحقيقية، ويظهر للآخرين بوجه آخر، وجه يحبه الجميع بمقدار ما يبغضه هو، وجه يُلصق في منتصفه أنفاً كبير الحجم، ثم يرتدي «باروكة» ملونة مضحكة الشكل؛ فالسنوات التي قضاها في أداء هذه الشخصية، جعلته يتقن تلك الطريقة التي تجعله يتحول إلى أضحوكة؛ فهكذا كان يشعر دائماً في كل مرة يرسم فيها قناع وجهه، ثم يخرج كي يقوم بتوزيع «الضحك» على أطفال المدينة.
ويزرع الفرح على وجوههم في مناسباتهم السعيدة، ويتفنن أمامهم بحركات بهلوانية تَبهر طفولتهم العاشقة لشخصية المهرج؛ فالمهرج هو صديق الأطفال الذي كان يقوم بدور البطولة في حكايات الأمهات قبل النوم،
ثم يعود في كل ليلة يجر خلفه أحلامه المؤجلة؛ حاملاً في قلبه الكثير من الغبن، ليقف أمام المرآة، يزيل أصباغ وجهه، ويسترد وجهه الحقيقي، وملامحه الحقيقية بلا رتوش إضافية؛ مذكراً نفسه بأنها مرحلة مؤقتة، وأن هذه الملابس الغريبة لن تبقى على جسده إلى الأبد، وأنه لن يحتفظ بعلبة الألوان في القادم من سنواته، وأن شخصية «المهرج» هي مرحلة مؤقتة، يحاول أن يتجاوز بها صعوبة البدايات حتى يقف على قدميه، ويصل إلى أحلامه البعيدة.
ثم يخرج لأبنائه كي يؤدي أمامهم دور الأب الوقور، الكاره للسيرك، والمهرجين.. وضجيج الجماهير.
فهو يكره أن يراه طفله على تلك الهيئة المضحكة، أو أن تكتشف طفلته أن ذلك الرجل الذي يُضحك أطفال الحي هو والدها الذي تراه يليق بشخصية أعظم من شخصية المهرج السعيد.
قبل النهاية بقليل:
حولنا الكثير من المهرجين، الذين تتقافز أجسادهم أمامنا فرحاً، بينما تتلبس أرواحَهم حالةُ حزن مخفية.