أتعلم ياسيدي أن هناك مواعيد مؤجلة لا تلتقي القلوب قبلها مهما تعددت اللقاءات بينها، ومهما اقتربت مسافاتها أو تقاربت خطواتها؟
إنها تلك المواعيد المسجلة لنا في دفاتر الغيب، كبدايات موشومة بتاريخ ميلاد حكاية جديدة أو حياة مختلفة، دون أن تسعى قلوبنا لاختيار أرقام وأيام تلك المواعيد، ودون أن ندرك أن بعض الغرباء الذين نصادفهم على الطرقات العابرة قد يعودون يوماً ليؤدوا في حياتنا دوراً مهماً لم يراود خيالنا، ونحن ننظر إليهم تلك النظرة الخاطفة على ذلك الطريق السريع من العمر..
فحين رأيتك لأول مرة في ذلك المكان الذي تبادلنا فيه نظرات الغرباء وأخلاق الغرباء، قبل أن يمضي كل منا في طريقه كما يفعل غرباء الطرقات والصدف.. لم يكن ليخطر في بالي يومها أننا بعد عشر سنوات سنلتقي على تلك المقاعد المتقاربة في ذلك المكان الذي سيجلس فيه أمامنا ذلك الرجل المسن ليسألني: هل قبلت الزواج به؟
فأجيبه بقلب تملأه رهبة الفرح... نعم قبلت الزواج به، ثم أصمت أمامهم لأكمل العبارة في داخلي (قبلت منذ ذلك اليوم الذي رأيته به لأول مرة منذ عشر سنوات مضت وأكثر)
حين أكمل كلانا طريقه ظناً منه أنها صدفة طريق عابر لن يتكرر بعدها اللقاء، كتلك الصدف التي تعبر أعمارنا فنلمح فيها الكثير من الوجوه الحقيقية على هيئة أحلام عابرة.. دون أن نتوقف بعدها لنستعرض التفاصيل، وتنتهي صلتنا بها بمجرد أن ندير لها ظهورنا.
كما حدث في ذلك اليوم، حين أدرت ظهري لإكمال طريقي المختلف عن طريقك، لكنني مضيت وأنا متضخمة بذلك الصوت الذي ملأ قلبي على هيئة إحساس صادق بأننا ذات يوم سنلتقي على هيئة حكاية حقيقية كاملة النمو، حكاية تعلن ميلادها في التوقيت المناسب والعمر المناسب.
كتلك الحكاية الحقيقية التي لانصل إليها في الغالب إلا بعد أن نؤدي أدوارنا في حكايات تشبه الحقيقة كثيراً لكنها ليست هي.. لتلقننا الحياة بعدها أن الأقدار لا تلغي المواعيد المكتوبة، لكنها قد تؤجلها، وأن لكل شيء ميعاد مسبق.
فلا شيء يأتي بعد أوانه، ولا شيء يمضي قبل أوانه... حتى تلك المتأخرات الجميلة التي نظن أنها تأخرت علينا، ووصلتنا بعد أن نكون قد قطعنا على طريق العمر كثير العمر.. هي لم تتأخر كما نتوهم... هي وصلت في وقتها المناسب تماماً، لكنها كانت مؤجلة الموعد، وحين حان موعدها وصلت إلينا كبشارة طال انتظارها.
قبل النهاية بقليل:
هي لم تتأخر... نحن الذين استعجلناها..