نعم حتى بروتس.. ففي زمن متقلب الملامح كهذا الزمن لا تبقى الجدران الصلبة كما هي، ولا تبقى الكثير من الأرواح فوق احتمال السقوط، لذا درِّبْ نفسَك على استقبال كل الاكتشافات الموجعة، وتخلص من تلك الدهشة الغبية التي قد تتلبسك عند اكتشافك بأن أقربك هو عقربك، وأن مصدر ذلك الألم الذي كان يتسرب إليك هو تلك البقعة التي ظننت أنها بقعة الأمان في عمرك، وأن كل ذلك الضجيج المؤذي حولك لم يكن سوى ثرثرة تلك الأفواه التي استهلكت الكثير من عمرك؛ كي تعلمها الغناء لك، وأن زرعك الأخضر لم تأكله سوى تلك النيران التي أشعلتها كي تبث الدفء في قلبك، وأن الكثير من تلك الوجوه التي أحببت ملامحنا لم تكن سوى مجموعة من أقنعة جميلة الملامح لأشخاص نجحوا في تثبيتها على وجوههم فترات طويلة من الزمن، وأن كل تلك التغييرات قد حدثت وأنت بكامل وعيك ويقظتك، وأنك لم تتدرج في اكتشافاتك الجديدة، ولم تكن بحاجة لتغيير زمنك وكوكبك؛ كي تحصد كل تلك الخبرة، وتستوعب كل تلك الدروس.
فنحن لم نستيقظ في زمن آخر، ولا على كوكب آخر، ولا بين كائنات أخرى.
لكننا استيقظنا على وجوه بلا أقنعة.. وعلى أرواح بلا قيم... وعلى مواقف متعددة لم تمر بنا حين مرت مرور الكرام، بل غرست بنا الكثير من الدروس والكثير من العبر، والكثير من الحذر، فنحن لم نكن مجموعة من الحمقى؛ كي تمر بنا كل تلك المواقف دون أن نتوقف أمامها، ودون أن نتعلم منها الكثير، ودون أن نصل لتلك المرحلة من النضج والوعي التي أصبحنا نميز فيها العدو الظاهر من العدو الخفي. والصديق الأبيض من الصديق المتلون، ودون أن نكتشف أن هناك من يخلط الأوراق لتفوز ورقته الخاصة، وأن هناك من يعكر المياه ليصطاد فيها بكامل حريته، وأن هناك من يتفنن في عرقلة الطرق؛ كي يوثق سقوط الآخرين، وأن هناك من يتعمد إحداث الضجيج ليبقى صوته هو الأعلى، وأن هناك من يدخل في نوايا الناس؛ كي يكتب تقريره الخاص.
لذا يجب أن نتخلص من دهشة الاكتشافات الموجعة، وأن نتهيأ لظهور بروتس في كل المشاهد والصور، وأن نتدرب على مواجهة كل المواقف التي قد تجعلنا نتساءل بصدمة (حتى أنت يا بروتس؟)
ففي أغلب المواقف سيكون هناك بروتس، ذلك الشخص الذي وثقنا به جداً، ولم نكتشف هشاشة وجوده في حياتنا إلا حين جربنا الاتكاء عليه.. فوقعنا.
قبل النهاية بقليل:
صديق عدوك لن يكون صديقك، إلا إذا كان ينافق الطرفين.