لماذا أصبحت الأرض باردة كأنها خُلقت بلا شمس، وكأن الدفء كان حكاية قديمة على هذا الكوكب؟
فكم سنة يجب أن أنتظر حتى أسدل على مكان تلك الحجارة وأعيد اكتشاف النار؟
وكم خطوة يجب أن أقترب بها من نفسي حتى أستوعب أن هذا البرد المؤذي يتسرب من داخلي أنا؟
وكم من العمر يجب أن أستهلك كي أقتنع أن تلك الستارة التي أُسدلت على حكايتي معك كانت تعني (النهاية)؟ وكم من الكتب يجب أن أقرأ حتى أؤمن بأن السعادة ليست دائماً خاتمة كل الحكايات الجميلة؟
وكم مرة يجب أن أغمض عيني وأسترجع الموقف الأخير كي أتأكد أن تلك الأنثى التي بكت كثيراً كانت أنا، وأن ذلك الرجل الذي هُزم كثيراً كان أنت؟
وكم مرة يجب أن تدقق في وجهي إذا ما جمعتنا صدفة طريق لتكتشف بأن هذه هي أنا؟ المرأة التي وقفت القبيلة بينك وبينها، ووقفت الأرض بينك وبينها، وكأن تلك الحكاية البيضاء كانت الخطيئة الأولى على الأرض، فشغلت كل سكانها، فتحدثوا كثيراً، وتحاوروا كثيراً، وتهامسوا كثيراً، وغضبوا كثيراً، واختلفوا كثيراً، وكتبوا كثيراً، وأمروا كثيراً، وقذفوا كثيراً، ورفضوا كثيراً، واحتجوا كثيراً، ومكروا كثيراً، وجرحوا كثيراً، وافتروا كثيراً، وكذبوا كثيراً، ودمروا كثيراً، وفرقوا كثيراً.
ثم فرحوا وصفقوا كثيراً حين تفرعت الطرق، واختلفت الاتجاهات، ومضى كل منا في طريقه، وظنوا أنه الفراق...
نعم كان هو الفراق، لكنه لم يكن النهاية، فالكثير من الحكايات تُستكمل بعد الفراق، لكنها تُستكمل بعيداً عن الواقع، فجزء ما بعد الفراق يبقى خاصاً بنا، لا يكتبه سوانا، ولا يقرأه سوانا، ولا يعيشه سوانا.
فبعد أن تعجز كل أطواق النجاة عن انتشال التفاصيل الجميلة من فم أمواج الواقع. نصارع نحن الغرق لننتشلها من الأمواج، فنحتفظ بها في دواخلنا؛ لنصنع منها مدينة كاملة نطلق عليها مدينة الأمس ووطن الحنين، فنحنُّ إليها بسرية، ونزورها بسرية ونتجول فيها بسرية...
فالكثير من أبطال الحكايات التي ختمت بالفشل، لم يغادروها بخفي حنين، بل أخذوا منها الكثير من الذكريات، والكثير من المشاعر، والكثير من الأحلام، واحتفظوا بها في خزائنهم السرية... تلك التي علقت في قلوبهم بقوة.
قبل النهاية بقليل:
خزائن قلوبنا، هي ميراثنا من حكايات فاشلة تمنينا النجاح فيها بقوة.