لطالما رددنا ونحن في قمة انشغالنا وحربنا مع الوقت مقولة (الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك)
لكننا لم نعد نرددها كثيراً كما كنا نفعل في السابق، وكأننا أنهينا تلك الحرب مع الوقت واستسلمنا لسيفه، ونسينا أنفسنا تحت مقصلته.
أو كأننا أصبنا بالجمود فتوقفنا في البقعة ذاتها، وتحولنا إلى كائنات لا تشبهنا، كائنات يمر بها الزمن فلا تتأثر ولا تهتز تحت رياحه، فالأشياء حولنا أصبحت تتغير دون أن نعي حجم خسائرنا للحظاتنا الجميلة.
فبينما نطيل نحن النظر إلى شاشات هواتفنا ونتجول بين المواقع الإلكترونية، ونسافر إلكترونياً، ونتسوق إلكترونياً، ونتعارف إلكترونياً، ونعقد صداقات وعلاقات إلكترونية، ويقل استخدامنا لأصواتنا في الأحاديث المشتركة والحوارات والمناقشات الصوتية، تحدث حولنا الكثير من المتغيرات ولا نشعر بها.
فالزمن يمر بنا ونحن لا ننتبه، وأرقام سنواتنا تزداد في أوراقنا الرسمية ونحن لا ننتبه، وتكبر أمهاتنا ويسحب أرذل العمر صحة وذاكرة آبائنا ونحن لا ننتبه، ويغادر رفاقنا الأرض دون وداع ولا ننتبه، وتذبل زهور أجمل السنوات وتفقد الأشياء حولنا نضارتها ولا ننتبه، وتتناقص قوى أجسادنا، وتتسلل إلينا الكثير من الأمراض والأوجاع ولا ننتبه، ويلون الأبيض سواد شعورنا ولا ننتبه، وتفوتنا الكثير من تفاصيل الفرح خارج الأجهزة ولا ننتبه، ويقل النور في أعيننا وتسقط الكثير من تفاصيل العمر من ذواكرنا ولا ننتبه، وننسى الكثير من الأسماء والوجوه التي مرت بنا يوماً ولا ننتبه، وتوهن أجسادنا كثيراً ويذبل اخضرار أرواحنا حد الجفاف ولا ننتبه، وتتبدل الكثير من أحلامنا الجميلة ولا ننتبه، وتتشوه الكثير من مبادئنا النبيلة ونتحول إلى شخصيات أخرى ولا ننتبه، ونفقد الكثير من الدفء ويسكن البرد أرواحنا ونصاب بحالة من التبلد واللامبالاة ولا ننتبه، ونصنع الكثير من الأعداء ونفقد الكثير من الأصدقاء ولا ننتبه، وننصر الباطل ونخذل الحق ونتعلم كيف نكره وننسى كيف نحب ولا ننتبه، ونهدر الكثير من الوقت والجهد على توافه الأمور ولا ننتبه، ويقل أشخاصنا المفضلون وتتغير اهتماماتنا وهواياتنا ولا ننتبه، ويرحل الجار وتتغير الدار ولا ننتبه، ويتلوث العالم وتحترق الأرض ويختفي السلام ولا ننتبه، ونخسر الكثير من العمر ونقترب من نهاية كل الأشياء ولا ننتبه.
قبل النهاية بقليل:
سرقتنا الحياة
فانغرس سيف الوقت في أغلى تفاصيلنا.. ولم ننتبه!