صائدة الأحلام

شهرزاد


تتغير الأرقام في أوراقنا الرسمية بسرعة، قد تفوق قدرة استيعابنا وتقبلنا لذلك التغيير، الذي ترسمه الأيام على وجوهنا، ليكون أول بدايات الشك وفقدان الثقة بالمرايا.
لكن تلك الأرقام لاتؤثر في أرواحنا كما تؤثر في أجسادنا، فتبقى مساحاتنا الداخلية خضراء، وتبقى عاداتنا هي عاداتنا، وتفاصيلنا هي تفاصيلنا، حتى حين تتغير المحطات وتتغير القطارات، نبقى نحن كما نحن، وكأن الزمن الذي يمر حولنا، لا يمر بنا، هذا ما أشعر به كلما تفقدتُ محيطي، واكتشفت أنني سجينة تلك الدائرة التي أقمتُ فيها منذ زمن بعيد، ونسيتُ أن أغادرها..


فمازلت أبدأ يومي بقراءة الصحف الورقية، وبفنجان القهوة التقليدي، وبقراءة أبراج الحظ التي تيقنت مع الوقت أنها عبارة عن أكاذيب ملونة، وأعلق صائدة الأحلام على طرف سريري، وأبحر في أحلامي بحثاً عن كنوز أمنياتي التي أغرقتها أمواج الواقع.
مازلت أفرح لصدف الطريق العابرة، وأنسج منها في خيالي حكايات وحوارات وهمية، وأتحول في الزحام إلى طفلة تهتف بلا شعور لكل وجه قديم يعترض طريقها في الزحام على هيئة (صدفة طريق)..
مازالت الابتسامة الحزينة ترتسم على وجهي، كلما مررت بتلك الأماكن التي كنتُ فيها أنثى على قيد الفرح، ومازال قلبي ينبض بشدة، إذا ما عرقلتني على الطريق أغنية قديمة..


مازلت أدقق في كف يدي، وأتذكر أكاذيب قارئات الكف وأبتسم، وأقلب فنجان قهوتي، وأبحث في بقايا القهوة عن تلك الخطوط التي قالوا إنها طرق ستنتهي إلى أفراح كبرى.
مازلت أحفظ تلك القصائد التي كانت تسرقني من دروسي، وأؤمن بأن الحب الذي نتنازل عنه مرغمين، يبقى بنا فترة أطول من ذلك الذي نتخلى عنه بإرادتنا.
مازلت أكتب عن الحب كأنه صديق وفي، وأغفو بجانب كتبي، وأبكي عند قراءة الروايات التي يشبهني أبطالها، وأشعر أنها تسرد على العلن ذلك الجزء الخفي بي..


مازلت أرتدي أزياء غريبة، وأطلو أظفاري بألوان مضيئة، وأطيل ضفائري كغجرية تزين قدميها بخلاخل ذات أصوات موسيقية، وكلما جاء المساء تراقصت على جرحها بخفة مهرج حزين.
مازلت أنثى ممتلئة بالأحلام القديمة، أصدق الخرافات والأساطير، وأحلم بالمدينة الفاضلة، وأؤمن بالسلام، وبقدرة الإنسان على إعادة الأمان إلى كوكب الأرض.


قبل النهاية بقليل:
لا تكبر داخلياً، مهما تغيرت تلك الأرقام في أوراقك الرسمية، فأنت روح، ولست رقماً.
***