بعض القرارات تكون بمثابة حياة أخرى، وفرصة أخرى وخطوة أولى نحو بداية جديدة، فنحن حين نقرر أن نقلب الصفحة القديمة بكل تفاصيلها، وننتقل إلى الصفحات التالية، نكون قد اتخذنا القرار بعبور تلك الأشياء التي لا يجب أن نطيل الوقوف أمامها، كي لا تتحول مع الوقت إلى مجموعة من العوائق تمنعنا من المضي إلى حيث نرغب أن تمضي بنا الحياة..
فالبدايات الجديدة تأتي على الأغلب بعد قرار اتُخذ بقناعة تامة بالوقوف بعد الانحناء، وبمتابعة السير بعد التوقف، وبعدم الاستسلام للحظة السقوط، والرغبة الحقيقية في التجدد، والتأقلم مع حياة أخرى قد تكون مختلفة تماماً عن حياتنا التي عشناها واعتدناها..
لذا قد نجد أنفسنا بعد كل قرار بالتغيير في دائرة من الاستفهامات التي نجهل إجاباتها، تلك الاستفهامات التي تأتي متضخمة بالكثير من القلق والخوف من الفشل..
فهل ننجح في البدايات الجديدة رغم كل تلك التفاصيل التي تنازلنا عنها خلفنا؟ هل ننجح في الرحيل دون وجع ودون ندم؟ هل ننجح في الرحيل بلا ذاكرة؟ وبلا تاريخ وبلا أرشيف لتلك الطقوس التي كانت يوماً هي الجزء الأهم في حياتنا؟ هل ننجح في إعادة برمجتنا وفي بناء روح جديدة في دواخلنا؟ هل ننجح في اكتشاف عاطفة أخرى وأحلام بديلة؟ هل ننجح في طلاء أمنياتنا الباهتة وإضاءة عتمة أرواحنا من جديد؟ هل ننجح في الخروج من أدوارنا القديمة على مسارح الحياة والدخول في أدوار جديدة وتقمص شخصيات تختلف تماماً عن شخصياتنا القديمة؟
نعم... نحن قد ننجح في كل ذلك حين نتحرر من تلك المخاوف التي تحاصرنا داخلياً،
لذا.. لا يجب أن نتراجع، مهما كانت تلك العوائق التي تجرنا للخلف، فمن حق أرواحنا اكتشاف نوافذ العالم الأخرى كي تتجنب الاختناق، فهناك أحزان نحتاج بعد الخروج من دوائرها إلى بداية جديدة في كل شيء، في المكان، في الزمان، في الوجوه، في الأصوات، في الحياة، في العادات..
لأننا نكون في حالة بحث عن أرض تجمع بعثرتنا، أرض تكون آمنة كقلب أم، فنحن نستحق أن نعيش بدفء بعيداً عن ذلك البرد الذي تسلل إلى أرواحنا من نوافذ الخذلان التي فتحها الوقت بيننا وبين أرواح لم تكن تستحق..
قبل النهاية بقليل:
كي نعبر بسلام: نحن نحتاج إلى عاطفة حقيقية، فالعواطف الحقيقية هي سفن الأمان في بحور الحياة..