هل مازلتم تحتفظون بأصدقاء خيالكم؟ أو أطلقتم سراحهم على محطات النضج كطائرات ورقية لم تعد أوقاتكم تتسع لمتابعة طيرانها في الفضاء بفرح؟ وتفارقتم كمجموعة من الأطفال كبروا على الخيال وعلى الألعاب، وضاقت عليهم الطرقات التي كانت في أعينهم باتساع وطن، فالمساحات الشاسعة حين نكبر تصغر كثيراً، وكأن الطفولة هي مرحلة المساحات الشاسعة، والأحلام الشاسعة، والخيالات الشاسعة، تلك الخيالات التي تصنع لنا أصدقاء الخيال، وتُعرفنا عليهم في أوقات نفتقد فيها أصدقاء يجيدون الإنصات إلينا باهتمام.
وقد يتغير أصدقاء الخيال مع تغير مراحل أعمارنا.
ففي الطفولة قد نحتاج إلى صديق خيال يقاسمنا اللعب والجري والغناء تحت المطر، وفي مرحلة المراهقة قد نحتاج إلى صديق خيال نشكو له اضطهاد العالم الذي نتوهم أنه يضطهدنا، وحين نكون أبطال حكاية حب في مرحلة النضج، فنحن قد نحتاج لصديق خيال نثرثر أمامه بتفاصيل عاطفة نخفيها عن الأصدقاء الحقيقيين.
ولم يكن لديّ أصدقاء خيال في طفولتي سوى تلك الجنية الطيبة، التي تعرفتُ عليها في يوم ميلادي الثامن، حين حدثتني رفيقتي الصغيرة في المدرسة عن صديقة خيالها الشبيهة بجنية سندريللا، والتي كانت تحقق لها كل أمنياتها التي يعجز والدها عن تحقيقها.
ويومها فقط اكتشفت أصدقاء الخيال، الرفاق الذين يحققون لنا أحلامنا البريئة بلمسة عصا سحرية، فتعرفت على صديقة خيالي المقربة، تلك الجنية الطيبة التي كنت أمسك بيدها كي أتجول معها ليلة ميلادي في الطرقات القديمة.
الجنية الطيبة التي كانت تحملني على ظهرها في كل ليلة ميلاد، وتأخذني إلى أحب مدن الأرض إلى قلبي.
الجنية الطيبة التي كانت تجلس معي تحت شجرة الرمان وتسرد عليّ حكايات كثيرة عن الفرح وعن الأمل وعن القادم الأجمل.
الجنية التي كانت تصنع لي أرجوحة من حبال، وتغرس في ظهري أجنحة من ريش ملون، وتمنحني فرحة الطيران في فضاء بلا حدود.
الجنية التي كانت تتجول معي بين الغيوم وتعرفني على النجوم بأسمائها، وتبني لي على سطح القمر كوخاً من الزهور.
الجنية التي كانت تمنحني الفرصة لتجسيد كل الأدوار التي أحبها، فتحولني إلى أميرة، وإلى غجرية، وإلى بائعة ورد على طرق لا يمر بها إلا العشاق.
قبل النهاية بقليل:
شكراً لكل صديق خيال، أعاننا وجوده يوماً على عبور قسوة الواقع بسلام...