فتاة في التاسعة والعشرين. جميلة وذكية. شغفت بالطب منذ الصغر، فقررت التخصص في مجال صعب؛ وهو جراحة الأوعية الدموية. إنها د.نورة رشاد، التي عملت في أبحاث رفع الجهوزية الطبية للتعامل الجيد مع مرضى السكري المعرضين لبتر أطرافهم، والتي يعتبرها الجميع نموذجاً مشرفاً للمرأة السعودية.
الأكاديمية
تخرجت في كلية الطب، جامعة القاهرة، ثم انتقلت إلى إيطاليا؛ لعمل دبلوم، ثم رسالة مشتركة بين مصر وإيطاليا في حماية الأطراف. وتقول في هذا اللقاء مع «سيدتي نت»: «قدمت في هذا البحث دراسة تحمي مريض السكري من بتر أطرافه، من بعدها حصلت على ماجستير في جراحة الأوعية الدموية، وهو ما لم يحصل عليه سوى 25 شخصاً في العالم، لذلك أنا أول عربية وأول سعودية وأول فتاة وأصغر طبيبة تعمل في هذا المجال، وهذا كله سمح لي بتقديم رسالة الدكتوراه في تخصص نادر؛ هو تكنولوجيا جراحة الأوعية الدموية الدقيقة».
الجراحة
لم تفكر د.نورة رشاد في دراسة الأوعية الدموية، بل كما تقول إنها قررت التخصص في الطب الشرعي، لكن نصحها والدها بعدم الإقدام على هذه الخطوة؛ بسبب الإرهاق الذي ستواجهه أثناء عملها في الطب الشرعي. تشرح قائلة: «أراد والدي أن أتخصص في مجال طبي يحتاجه الوطن، فأصبت بالحيرة، حتى جاءت الصدفة التي حسمت اختياري؛ عندما شاهدت عملية بتر أحد أطراف مريض مصاب بالسكري، ففكرت في ضرورة إيجاد حل خلاف البتر لحماية الأطراف. للأسف نعاني في السعودية والعالم العربي من مشاكل في الأوعية الدموية التي تزيد من معدلات بتر الأطراف، لذلك اخترت جراحة الأوعية الدموية، وهو ما جعل قراري محط دهشة المحيطين بي؛ بسبب صعوبة الدراسة».
الأقوى والأضعف
ترى د.نورة أن مريض السكري هو الأضعف والأقوى في الوقت نفسه بين كل المرضى في العالم، حيث يؤدي السكري إلى مضاعفات خطيرة؛ كبتر الأطراف، أو الوفاة المبكرة، إلا أنه يستطيع اتخاذ خطوات معينة للسيطرة على المرض وتخفيف حدة المضاعفات؛ عن طريق التغذية المعتدلة، وممارسة الرياضة، وخفض الوزن، وتناول الأنسولين.
وتأسف د.نورة من ارتفاع نسبة الإصابة بالسكري في السعودية، التي وصلت إلى 25%؛ أي يصاب بالمرض واحد من أصل أربعة. وينتشر في الفئة العمرية بين 30-35 سنة بنسبة 28%، حسب آخر ورقة قدمت في منتديات السكري، لذلك اهتمت د.نورة بمناقشة المضاعفات الشائعة لمرض السكري، ومنها مشاكل القدم السكرية، وكيفية علاجها، مع الاستعانة بجراحة الأوعية الدموية، حيث إن الالتهابات في قدم مريض السكري، إن لم يحسن تشخيصها وعلاجها مبكراً، فمن الممكن أن ينتهي الأمر إلى بتر الساق.
لا للبتر
من هنا جاء حرص د.نورة على ابتكار دواء يمنع بتر أطراف مرضى السكري؛ بسبب ارتفاع نسبة معدلات الإصابة بهذا المرض في المملكة، حيث زادت نسبة الإصابة في منتصف السبعينيات من 2% إلى 4%، ثم وصلت إلى 12% في منتصف التسعينيات، ثم 24% في عام 2004، حتى وصلت في عام 2006 إلى 28%. كما أصبحت السعودية من أول 10 دول في العالم تعاني من السمنة المرتفعة المؤدية للسكري. وبناءً على ذلك ترى د.نورة أن مرض السكري «يؤثر في الجزء المنتج في المجتمع، لذلك يجب أن تكون هناك حماية للقدم واليد السكرية؛ تلافياً لبترهما في حال حدوث مضاعفات. لكن للأسف كشفت الإحصائيات عن حدوث 90 حالة بتر يومياً، ما يعتبر عبئاً اقتصادياً واجتماعياً على المملكة، لذلك من المهم إيجاد علاج يبعد المريض عن شبح بتر الأطراف».
قدمت د.نورة تجارب متطورة لعلاج بتر الأطراف في فرنسا، وإيطاليا، والولايات المتحدة الأميركية، ما دفع تلك الأخيرة إلى دعوتها لعرض طريقة علاجها الخارجة عن المألوف، فحصلت عن ذلك على جائزة باسم المملكة في نيويورك. تقول د. نورة: «اعتبروني خبيرة في علاج مشاكل الشريان الأورطي؛ ما دفعني لتطوير أبحاثي في مجال بتر الأطراف».
ثلاثة في واحد
تعتبر د.نورة الطبيبة الوحيدة في العالم في هذه السن الصغيرة، التي تجمع بين جراحة الأوعية الدموية والقسطرة التداخلية. والآن تعمل على إنهاء ثلاث رسائل دكتوراه في وقت واحد؛ الأولى بجامعة القاهرة عن الأوعية الدموية العادية، والثانية لتطوير الدعامة المستخدمة في علاج الأوعية الدموية، والرسالة الثالثة حول القسطرة التداخلية لعلاج شريان الكلى؛ لتقليل الجهد والتكلفة. وفي هذا الإطار تقول: «أنصح طلبة كلية الطب بالتخصص في المجالات الطبية الناقصة في المملكة؛ حتى يكونوا قوة طبية فاعلة في الوطن». أما على الصعيد الشخصي، فتتمنى د.نورة العودة إلى المملكة؛ لإقامة مستشفى لعلاج الأوعية الدموية، وتطوير أبحاثها حول منع بتر أطراف مرضى السكري.