يدرك أغلبنا أن الحياة لا تبقى على وتيرة واحدة، وأن طرقنا لن تبقى مستقيمة بلا اعوجاج، وبلا عوائق إلى الأبد.
لذا.. لا تسجن روحك في مرحلة واحدة، فالحياة ليست أرضاً ثابتة، ولا هي عادات روتينية مكررة، قد تتحول مع الوقت إلى دائرة يصعب عليك مغادرة أسوارها..
ففي الحياة مراحل تتعرج فيها طرقنا المستقيمة، ويتكرر عليها سقوطنا ومحاولات وقوفنا،
ومراحل تغيب فيها شموسنا أطول مما يجب، ونشهد فيها الغروب سريعاً، ويرحل فيها الصباح قبل أوانه، وتخيم فيها الظلمة على قلوبنا في قمة حاجتنا للنور.
ومراحل نشتاق فيها للمطر وللبرد، ولأرواحنا القديمة، ولتفاصيلنا التي مارسناها ذات عمر بتلقائية وفرح، دون أن ننتبه إلى عدسة الزمن التي كانت تلتقط لنا مجموعة من الصور؛ كي تحولها مع الوقت إلى لحظات زمنية عابرة.
ومراحل نكره فيها الصمت، وندمن فيها الثرثرة، ونفر إلى أماكن يملأ زواياها الضجيج؛ كي نصرخ بحرية، ونتبعثر بحرية، دون أن يشهد أحدهم لحظة تبعثر أرواحنا.
ومراحل نحتاج فيها إلى أن نتأخر عن القافلة قليلاً، نحتاج أن نتوقف، أن نتنفس، أن نبوح بكل شيء، أن يتحول العالم كله إلى نوافذ مفتوحة على فضاء متسع بلا حدود.
ومراحل تفقد فيها الحياة الكثير من ألوانها، وتصبح مساحاتها أضيق من مساحات القلوب المتعبة، ونكتشف فيها اكتشافات لا نرغب باكتشافها، وتوجعنا فيها نتائج التجارب التي اضطررنا لإجرائها كي نصل إلى حقيقة ما.
ومراحل نتوقف فيها عن الضحك وعن الحديث وعن الغناء وعن الفرح، ونعيش عزلة اختيارية، ويزداد فيها إيماننا أن بعض الهروب هو حياة، وبداية أخرى.
ومراحل نتعمد أن نمارس فيها التفاهة والحماقة؛ كي نتخفف من أحمال نضجنا وإلحاح عقولنا بأن نتجنب السير عكس التيار، حين يوجعنا السير باتجاهه.
ومراحل تتغير فيها نظرتنا إلى الكثير من التفاصيل، فنرى فيها الأشياء والمواقف والأحداث بشكل أوضح ومختلف عما كانت عليه في مراحلنا السابقة..
ومراحل نظن من شدة اليأس أنها حلقتنا الأخيرة على الأرض، فنتوه بين الأبواب بحثاً عن الباب الصحيح، ونسير بلا هدى، ويبدو لنا الطريق أطول مما ظننا..
ومراحل نُكَذب فيها كل شيء، ونفقد الثقة في كل شيء، ونفسر الأحداث بصورة معتمة مؤذية لأرواحنا وأرواح الآخرين..
ومراحل نتمنى فيها أجنحة ونوافذ وأبسطة رياح تأخذنا بعيداً حيث لا أحد سوانا، ولا شيء سوى الفطرة الأولى، والنقاء الأول.
قبل النهاية بقليل:
لا تبقى ثابتاً في مكانك، كأنك تمثال قديم، يحلم بأقدام تسير به إلى الأمام، وبأيدٍ يلوح بها لأعلى.