صديقة جيدة

شهرزاد

 

كانت تُقلب صحيفة ورقية حين استوقفها السؤال:
هل أنت صديق جيد؟ فكررت قراءته عدة مرات دون أن تعلم سر ذلك الوجع الخفي الذي تسلل إليها، وكأن أحدهم قد دس لها السؤال بين الصفحات متعمداً.


ربما ليقينها أنها لم تعد صديقة جيدة، فهي توقفت منذ زمن عن أداء دورها في صداقات طويلة الأمد، ولم يعد وقتها يسمح بعقد علاقات حقيقية مع أرواح جميلة، وفقدت رغبتها في عقد صداقات جديدة، وتوقفت عن تبادل الأسرار والأحزان مع رفيقاتها، وأصبحت تنفر من المكالمات الهاتفية التي تتعدى الدقائق القليلة، ولم تعد تحتمل المشاركة في المناقشات التي تمتد لساعات طويلة، وابتعدت عن كل اللقاءات التي يثرثر فيها أصحابها كثيراً، وعن تلك المناسبات التي تتزخرف فيها النسوة بشكل مزعج، ولم تعد ترغب في سماع قصص جديدة وتفاصيل جديدة تتغير بتغير الراوي، وفقدت دهشة اكتشاف الوجوه الجديدة على الأرض،

ولم يعد الفضول يدفعها لاكتشاف زوايا غامضة من الحياة، وختمت الكثير من العلاقات بصمت وهدوء ورقي، وانتهت علاقتها بالورق عند الكتابة تماماً، وأصبحت تشاهد حياة أصدقائها القدامى من خلال برامج باردة، وتطمئن حين تدرك أنهم يستمتعون في حياتهم برغم غيابها، وتبتسم بغبن للصور وللذكريات القديمة التي كانت فيها روح مختلفة، وباتت تشعر بوهن نفسي وجسدي كبير، وكأن هذا العالم قد ربط قدميها بسلاسل حديدية، فأصبحت تتحرك بثقل وتسير بثقل.


لذا. أصبحت تخذل كل الذين يقتربون منها، دون أن تدرك ما الذي تغير بها حتى أصبحت إنسانة مختلفة تماماً، ولا أي موقف مخذل تعرضت له دفعها لإغلاق بوابة عالمها في وجه كل زائر جديد كان أو قديم، وجعلها تنزوي في دائرة مغلقة لا شيء معها سوى مجموعة من الكتب والأجهزة، وأشياء أخرى وجدت بها شخصيتها الأخرى وعالمها الآخر، الذي تدرك أنه ليس عالمها الحقيقي، لكنه العالم المفضل لديها.
كما تدرك أنها تغيرت كثيراً لكنها مازالت تلك الأنثى التي تبكيها أغنية حنين حزينة، وتسعدها باقة ورد صغيرة، وتتسلل أحياناً لقراءة رسائل هواتفها القديمة، وتعانق شخصيتها الأولى بقوة.


فهل سألت نفسك يوماً عن مدى أهميتك بالنسبة للآخرين؟ وهل أنت صديق مميز للدرجة التي تؤهلك إلى أن تصبح بمثابة الصندوق الأسود لرفاق ملؤوا قلبك وذاكرتك بالكثير من التفاصيل الخاصة بهم؟

قبل النهاية بقليل:
نعم نتغير أحياناً. حين نكتشف أن السير مع التيار مرهق لقلوبنا أكثر من السير عكسه.