كيف حصلت على هذه المعلومة؟
ـــــ هم قالوا لي!
طيب شفت أو جلست أو سمعت المعلومة بنفسك، وعلى أي أساس تنشرها؟
ـــــ ما أدري سمعتها.
هذا مع الأسف واقع نعيشه، وما أكثر ما نسمع مثل هذه الجملة، فقد اعتاد أغلبنا على استقبال الأخبار دون التأكد من صحتها، وهناك الكثير ممن يصدق ما تحمله تلك الرسائل من معلومات غير صحيحة وخطيرة، والمخيف في الأمر أن مروجيها مجهولون، هدفهم نشر الأكاذيب.
ترى ما مصلحتهم من ترويجها؟ ولماذا يستلذ البعض في إطلاقها؟ هل بسبب الشعور بالنقص؟ أم أنه الحقد والحسد أو الجهل وضيق الأفق، بجانب البطالة وأوقات الفراغ؟ أم أن صاحبها يشعر بالراحة عندما يتسبب في إيذاء الآخرين؟
عينة تكثر من القيل والقال، وتتحدث عن أعراض الناس، وتثرثر في الأحداث الجارية، وتطرح التوقعات والتنبؤات المسقبلية من وحي خيالها، فينتشر الخبر ليصبح إشاعة لها ألف عقل يؤولها، وألف فم يلوكها، وألف أذن تسمعها، أما الحقيقة فليس لها لسان يرد عنها.. إنها عينة مات الإحساس من قلبها، وكل همها هو النيل من الآخرين وإيذائهم، بالتأكيد أنها فئة مريضة لا تمتلك الوازع الديني، إضافة إلى قلة الوعي الثقافي والاجتماعي، أغراضها متعددة، وهدفها واحد، وهو تشويه الحقائق، يحاولون التنفيس عن إحباطاتهم باتهام الغير، ولا يحدث ذلك إلا عندما يموت الضمير.
فكم قالوا، وكم قلنا، إننا في أمس الحاجة لمعرفة أسباب الفشل في العلاقات الإنسانية، ولماذا وكيف ازداد تجرد بعض البشر من النوازع الإنسانية، فلا يوجد إنسان يولد عنيفاً أو شريراً أو حقوداً أو حسوداً، هناك بالتأكيد عوامل كثيرة متداخلة.. وهناك من يمهله الزمن فرصة للتراجع، ولكن هل تضمن تلك العينة أن يمنحها الله فرصة للتوبة قبل أن يفاجئها الأجل؟
وقد سمى الله سبحانه صاحب الشائعة بالفاسق؛ لأنه مخالف لله ورسوله، ويؤدي بعمله الخبيث إلى الإيقاع بالفتنة ونشر البلبلة بين الناس، والله عز وجل يقول: «والفتنة أشدُ من القتل« فديننا الحنيف قد واجه الشائعات بالعديد من التشريعات التي تعمل على عدم خلق بيئة ترتع فيها الأقاويل، وأمرنا بعدم الخوض في أحاديث لا تعنينا، وحرم علينا الفتنة والكذب والغيبة والنميمة، وحثنا على الصمت، وحبب إلينا الستر وحسن الظن، فإلى متى يتجاهل الإنسان أو يتغافل عن خطورة هذا اللسان؟ مهما كان القصد أو النية، فإن نشر الإشاعات سلاح خطير يفتك بالأمة ويفرّق أهلها، ويسيء ظن بعضهم ببعض، وأسرع الأمم تصديقًا للإشاعات هي الأمم الجاهلة، التي تصدّق ما يقال، وتردد الأخبار الكاذبة دون تمحيص، أما الأمم الواعية فلا تلتفت إلى الإشاعات، وتكون مدركة لألاعيب المنافقين فلا يؤثر على مسيرتها، وإن نجاح حرب الإشاعات أو فشلها يعتمد على مدى وعي المسلمين للمشكلة التي يواجهونها، وعلى مدى ما يقوم به دعاة الفتن.