حكايات في أعوام كثيرة مضت منذ السبعينات والثمانينات تناولها مسلسل "خريف العشاق" تأليف ديانا جبور وإخراج جود سعيد بقالب درامي غلب عليه طابع الكلاسيكية المحببة والقريبة من المشاعر.
هكذا تعامل جود سعيد مع نص يتناول زواج ثلاث فتيات من طبقات مختلفة من ثلاثة شبان من انتماءات مختلفة وما تبع ذلك من علاقات اجتماعية تعرضت لمطبات عديدة لتكون النهايات مختلفة ومنها متوقع ومنها غير متوقع .
حضرت ذهنية جديدة في الدراما
على المقلب الآخر يظهر المسؤول الفاسد الذي يخالف القانون ولكنه يصل لمرحلة يتم فيها اكتشاف فساده لتتم محاسبته ومعاقبته .
في خضم هذا الشكل العام للمسلسل حضرت ذهنية جديدة في الدراما هي سينمائية جود سعيد والصورة التي حولها لحكاية من نوع خاص على الرغم من افتقاد النص في بعض المطارح للسرعة و التشويق و الاعتماد على الحكايا الاجتماعية و تبعاتها بالأساس وهو ما طوعه سعيد معلناً ان الصورة من الممكن أن تحل مكان بطء الأحداث في بعض الأماكن .
فاستطاع المخرج أن يقوم ببناء متكامل للمشهد ككل بإيقاع عال ومضبوط بعيداً عن الاستعراض عدا عن جمالية الصورة التي لا تفارقها الروح فبدت صورة تحمل إحساساً أكثر من كونها مجرد صورة وكان واضحاً بناء المشهد بطريقة متقنة. فلكل مشهد بدايته وذروته الدرامية ونهايته عدا عن استخدام الإضاءة بما يخدم بنية وحالة الصورة وبما يناسب الفترة الزمنية للعمل وهو ما يحسب ايضاً لمدير الإضاءة والتصوير وائل عز الدين وفريقه الفني.
التقاط الأماكن التي تناسب الفترة الزمنية للمسلسل
كما استطاع المخرج جود سعيد مع فريقه الفني التقاط الأماكن التي تناسب الفترة الزمنية للمسلسل. وهو ما أعطى الحالة مصداقية عالية.
دوران الكاميرا وزوايا المشهد وتقطيعاته كانت تتم بحرفية عالية. فيأخذ المخرج الحالة بمختلف زواياها لتكون صورة متكاملة تخدم البنية الدرامية للحكاية.
وعلى صعيد الحكاية يظهر النص الذي كتبته ديانا جبور بصورة جديدة وبعيد عن القضايا المطروحة بجاذبية واضحة في أماكن كثيرة منه، ولكنه يقع في مطبات عديدة كان من الممكن معالجتها بصورة أفضل فمثلاً تبدو قصة "جولييت" (حلا رجب) و"بدر" (محمد الأحمد) وكأنها أُنجزت بسرعة. فلا مبرر درامي لعدم ردها عليه ومؤاتاة كل الظروف لعدم تزامن اتصالاته المتكررة لزوجته مع عدم وجودها بالمنزل أو استعدادها للخروج منه. في حين أن تلقيها خبر سكن زوجها مع سيدة في بريطانيا دون معرفة من تكون هذه السيدة أو ماذا يفعل عندها يبدو مبالغاً فيه لمحاولة جر قصة حبهما نحو نقطة اللاعودة حيث كان بالإمكان معالجة هذه النقطة بصورة أكثر تشبعاً من الناحية الدرامية.
والنص على الرغم من افتقاده لعنصر التشويق والإيقاع السريع في عدد من المطارح كما أسلفنا إلا أن هذا النوع من الأعمال قد يمر بفترات ركود ولكنه سرعان ما يعود للذروة بحدث مفاجئ أو جرى التحضير له على مهل.
ومع ذلك، يبدو النص مطروحاً بطريقة جديدة ويتناول مواضيع مختلفة وهو ما يحسب لكاتبة العمل.
ويحسب للمخرج جود سعيد وفريقه الفني والتقني الصورة الجديدة الكلاسيكية المفعمة بالروح وكأنها حالة هاربة من الزمن الجميل. ولعل تفاصيل الديكور والأكسسوارات ومناسبتها للحقبة الزمنية يحسب لصناع هذه الجوانب في العمل.
الأداء المتقن لنجوم العمل وفي مقدمتهما أحمد ومحمد الأحمد
وما يضفي جمالية على العمل هو الأداء المتقن لنجوم العمل وفي مقدمتهما أحمد ومحمد الأحمد وما قدماه من ظهور مختلف بإيقاع متوازن بعيداً عن أي حالة استعراضية فبديا بحالة فريدة وجديدة كلياً.
دور العمر بالنسبة للفنان حسين عباس
ولا يمكن القول إلا أن هذا هو دور العمر بالنسبة للفنان حسين عباس بعد دوره في مسلسل "ضيعة ضايعة". فشخصية "هلال" ليست مجرد شخصية عابرة أو حالة تمر ضمن أحداث العمل مرور الكرام. فالتحولات النفسية والجسدية التي تمر بها صعبة ومعقدة وهو ما تعامل معه حسين بشكل لافت.
بدت صفاء سلطان بشخصية مختلفة كلياً
وكذلك الأمر بالنسبة للنجمة صفاء سلطان التي بدت بشخصية مختلفة كلياً واستطاعت أن تؤدي بعفوية مطلقة وحالة من الشاعرية الممزوجة بحالات مختلفة من الألم و السعادة. فكان حضورها مميزاً وأضفى بعداً مميزاً للعمل.
علا سعيد وترف التقي استطاعتا أن تثبتا حضورهما بأداء جيد
وتبدو الوجوه الشابة التي تمت الاستعانة بها من علا سعيد إلى ترف التقي الشابتين اللتين استطاعتا أن تثبتا حضورهما بأداء جيد جداً وكاريزما خاصة توحي بأننا أمام فنانتين سيكون لهما شأن كبير بالمستقبل .
وتظهر الفنانة حلا رجب بحالة جديدة كلياً فبرعت بأداء دور الفتاة الفظة في بعض المطارح وطيبة القلب في مطارح أخرى الفتاة التي تفتقد اللباقة في مكان ما وتتعامل بعفوية مطلقة. فيكون ذلك سبباً بانكساراتها التي لا تنتهي.
خريجة المعهد العالي للفنون المسرحية لا تتوقف عن الإبداع أينما حلت فكلما قدمت دوراً كان مختلفاً عن الآخر. فهي ترسم مسيرتها بخطوات مدروسة ولعل "جوليت" أعطتها بعداً كانت تبحث عنه للابتعاد عن الشخصية الطيبة جداً.
أيمن زيدان الورقة الرابحة لأي عمل
أما النجم أيمن زيدان فكان كالعادة الورقة الرابحة لأي عمل. فشخصيته التي أداها بحرفية ومهارة عالية لم تمر مرور الكرام. فعلى الرغم من مشاهده القليلة إلا أنه جسد حالة تمثيلية رهيبة أعطتها خبرات السنين وحرفنة الاداء بعداً خاصاً. فالنجم الكبير لا يكف عن إدهاش متابعيه عندما يجد الشخصية التي تعطيه المساحة للتحرك.