نحن نعيش في هذه الحياة بعيدين عن ذاتنا، والتي تُعدُّ أهمَّ مُحرِّكٍ لنا في الكون؛ لذا نكرِّس وقتنا للآخرين وللاهتمام بهم وبشؤونهم، فنمضي في الحياة بطريقةٍ فوضوية، منتظرين أن تأتي الحلول لمشكلاتنا من الخارج، وننسى إعطاء الوقت لأهمِّ وأخطر موردٍ لنا على وجه الأرض، تقول الدكتورة هبة علي، خبيرة التنمية البشرية لسيدتي: التَّعرف على الذات عن قرب، وإلى الغوص والتعمُّق في خفاياها يهدف لزيادة وعينا الذاتي، وقد لا ندرك أنَّ الحلول الحقيقية لكلِّ ما نعاني منه تكمن في دواخلنا؛ فعوضاً عن سعينا اللاهث إلى تغيير الخارج والتعويل عليه، كان أحرى بنا أن نُعوِّل على دواخلنا، حيث يقبع الخلاص الحقيقي.
*التعرُّف على الذات
فالوعي الذاتي هو القدرة على التوليد المستمرِّ لمعلوماتٍ ذات جودةٍ عاليةٍ عن نفسك؛ فكلَّما بحثتَ عن نفسك أكثر، فهمتَ خفايا القضايا أكثر، وحقَّقت إنجازاتٍ أكثر، وأصبحت حرَّاً أكثر في اتخاذ القرارات السلمية في حياتك.
أثبتت دراساتٌ نفسيةٌ أنَّ أكثر من 95% من سكان العالم يهربون من الجلوس مع أنفسهم، ولعلَّ هذا هو السبب الأساسي للكثير من الأمراض النفسية. يشعر أغلب البشر حين جلوسهم مع ذواتهم بمشاعر ألمٍ وضيق، أو مشاعر تأنيبٍ وعارٍ وخوف؛ ممَّا يجعلهم يهربون من هذا اللقاء، معتقدين أنَّهم بذلك يُبعِدون أنفسهم عن المعاناة والحزن، غير واعين للقانون الأساسي في الحياة الذي يقول: "سيزداد الشيء الذي تهرب من مواجهته وتكبته في داخلك، وسيغزو حياتك في وقتٍ من الأوقات، وبقوةٍ أكبر بكثيرٍ من السابق".
تبدأ الحلول لكلِّ شيءٍ من حوارك مع ذاتك؛ لذا يجب أن يتحوَّل هذا الأمر إلى طقس مميزٍ لديك، وبمعدل مرتين إلى ثلاث مراتٍ أسبوعيَّاً كحدٍّ أدنى. حاور ذاتك، وتعامل معها كتعاملك مع الطفل الصغير، فأنتَ تسامح الطفل على هفواته وأخطائه، وتحتويه مهما فعل، وتسعى جاهداً إلى تجاوز عثراته، وتمضي قدماً إلى تعليمه الأشياء الجميلة الإيجابية المفيدة؛ وكذلك عليكَ أن تحاور نفسك بحبٍّ وهدوء، مبتعداً عن التأنيب والجلد والتوبيخ. النفس كالطفل، فإن أُسيء معاملتها؛ نفرت منك، ولن تطيعك في أيِّ أمر؛ لأنَّها تحتاج إلى الحريَّة، فلا تكبتها، بل تعامل معها بمنتهى الرقي والشفافية والاحتواء، وعندها ستصبح في حالة تناغمٍ رائعةٍ معها.
*تطوير الوعي الذاتي:
الوعي الذاتي هو سمة قيّمة إذ إنّ فهم الشخصية والقيم والرغبات يُساعد كل شخص ليصبح أكثر وعياً بذاته، بالإضافة إلى ذلك فإنّ معرفة المزيد عن النفس يُساعد على إنشاء حياة أفضل، وإجراء تغييرات إيجابية لتحسين نقاط الضعف وإدراك الذات ويعزز الذكاء العاطفي، وفيما يأتي طرق لتطوير الوعي الذاتي:
- المراقبة:
عليك أن تراقب المنظومة الرباعية لديك، والمتمثِّلة في: أفكارك، وقيمك، ومعتقداتك، ومشاعرك؛ فالمشاعر السلبية ناقوس الخطر الذي يحذِّرنا من وجود خطأٍ ما في المنظومة، فمثلاً: في حال مراقبتك لمشاعرك، وكتابة المواقف التي تحزنك والتي تسعدك، ثمَّ تحليل الأسباب الكامنة وراء المشاعر التي لها علاقة بأفكارك ومعتقداتك وقيمك؛ ستتمكَّن من تطوير درجة وعيك. على سبيل المثال: إن أخبرك شخصٌ ما أنَّه التحق بدورةٍ تدريبيةٍ هامَّةٍ في اختصاصٍ معيَّنٍ يتقاطع مع اهتماماتك، وشعرت عند سماعك الخبر بالضيق النفسي؛ فعليك أن تُحلِّل أسباب هذا الشعور، فقد يتَّضح أنَّ قيمة العلم لديك غير مشبعة، وأنَّ معتقداتك مغلوطة، مثل: "يحتاج العلم والالتحاق بالدورات التدريبية إلى المال الكثير، وأنا لا أملكه"؛ حيث سيدفعك هذا التحليل إلى التساؤل عن مدى صحة معتقداتك وأفكارك، ومن ثمَّ يُحفِّزك على التغيير وخلق أفكار ومعتقداتٍ جديدةٍ إيجابية، مثل: "هناك طرائق كثيرةٌ أحصل من خلالها على المعلومة، ولا تتطلَّب المال الكثير، مثل: الكتب، والإنترنت، والدورات التدريبية مُخفَّضة السعر"؛ فعوضاً عن وقوفك في مكانك عاجزاً مكتئباً، فإنَّك تكون قد تحرَّكت خطوةً في الاتجاه الصحيح، وبدأت رحلة وعيك الرائعة".
- اعلم أنَّ الوعي لا نهاية له:
لذلك لا تقع في فخ "أنَّك نجحت في الوصول إلى الوعي الكامل"، فنحن بحاجةٍ يومياً إلى تزكية أنفسنا وتطويرها حتَّى الممات.
- آمن بأنَّك من صنع اللَّه:
حيث يعني هذا أنَّك تستحق الأفضل في كلِّ شيء، وأنَّ لديك كامل الإمكانات لكي تتطوَّر وتُحقِّق أهدافك، واعلم أنَّ كلَّ شيءٍ يبدأ بخطوة؛ لذلك جزِّئ هدفك إلى خطواتٍ صغيرة، واصبر ولا تستعجل الوصول إلى أهدافك.
- كُن فضولياً في التعمُّق في ذاتك وسبر أغوارها:
وحافظ على دهشتك، فالفضول والدهشة عنصران هامَّان لكي تطوِّر وعيك وتأكَّد أنَّ الحلول لكلِّ المشكلات التي تعاني منها تكمن في داخلك؛ لذلك لا تجلس منتظراً حلولاً من الخارج، بل اسعَ إلى تطوير وعيك، وتزكية نفسك؛ وسترى كيف أنَّ الطريق سيتضح ويُزهِر أكثر فأكثر.